اذهب الي المحتوي

مقالات من المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير - متجدد


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

صحيفة "العرب" تتولّى كِبْر محاربة الخلافة وحزب التحرير

 

صحيفة "العرب" تنشر على موقعها الإلكتروني مقالاً بعنوان: "حزب التحرير الإندونيسي، غزة، والسياسة الإسلامية العالمية: تضامن أم استغلال"، بقلم: محمد مأمون الرشيد، يوم الأربعاء 19/2/2025م.

 

من يبحث في موقع الصحيفة المذكورة عن حزب التحرير في سطر البحث في أعلى صفحة الصحيفة يجد عشرات المقالات والتقارير والأخبار تحارب الصحيفة من خلالها حزب التحرير ومفهوم الخلافة؛ ما يعني أنّها تتولّى كِبْرَ محاربة الإسلام السياسيّ وما يتعلّق به.

 

أما صاحب المقال فقد وصفته الصحيفة بأنه "عضو هيئة مكافحة التطرف والإرهاب في مجلس علماء إندونيسيا المركزي"، ويبدو أنّه تمّ اختياره لهذه الوظيفة لأنه تخرج في درجة البكالوريوس برسالة عنوانها "مواجهة أفكار حزب التحرير من منظور علم الحديث"، وعليه فقد رضي لنفسه أن يكون رأس حربة للكفار لمحاربة الإسلام السياسيّ ومحاربة حزب التحرير و"الجماعات المتشددة" على حدّ قوله، فلم نجد له مكافحة للتطرف والإرهاب اليهوديين، فلم يكافح إرهاب كيان يهود في تدميره لغزة وقتل عشرات الآلاف من أهلها، وتشريد مئات الآلاف، ولا تدمير المخيمات في الضفة الغربية وتشريد أهلها، ولم أجده يكافح الإرهاب الأمريكي في الصومال والعراق وأفغانستان واليمن، ولا الإرهاب الهندي في كشمير، ولا الإرهاب ضد مسلمي الروهينجا في ميانمار، ولا الإرهاب الصيني ضد المسلمين في تركستان الشرقية وغيرها، بل تولّى كِبر محاربة حزب التحرير ودعوته لتوحيد المسلمين تحت راية الحكم بالإسلام راية الخلافة!

 

وهذا المقال الذي وُصِف كاتبه بأنه عضو في مجلس علماء إندونيسيا المركزي؛ لا يجد فيه القارئ رائحة الإسلام، ولا ينطلق في أفكاره فيه من العقيدة الإسلامية، بل إنّ الذي يزكم الأنوف منه هو رائحة القطرية الضيقة التي تحرص على تمزيق المسلمين في كيانات متعددة بدل جمعهم في كيان واحد، هو كيان الخلافة. كما تفوح منه رائحة القومية العفنة التي حذّر منها الإسلام تحذيراً شديداً. ويدافع عن الديمقراطية الكافرة وعن الدولة الإندونيسية التي لا تحكم بما أنزل الله! كما أنّه يتبنى النظرة الغربية لقضية فلسطين على أنها (صراع)، وليس قضية أرض إسلامية احتلها اليهود، ويراها مسألة إنسانية حقوقية دون بنائها على العقيدة الإسلامية، ويتبنّى في حلّها الحل الغربي (القديم)، وهو إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، أمّا الأرض التي احتلها يهود قبل الرابع من حزيران فيبدو أنّ الكاتب المحترم يراها أرضاً يهودية وليست أرضاً إسلامية، مع أنّ أمريكا ترامب قد تخلّت عن هذا الحلّ، وتسعى إلى توسعة كيان يهود، وتدعو إلى تهجير أهل غزة، فلم نجد للكاتب أيّ رد فعل، ولا مكافحة لتطرف ترامب وإرهابه للمسلمين في فلسطين! بل يرى أنّ ذلك قد أعطى ما سماه "الجماعات الإسلامية المتشددة" فرصة لاتهام الدول العربية بخيانة القضية الفلسطينية، مع أنّ الواضح لكل ذي بصر وبصيرة أنّ الدول العربية وكذلك البلاد الإسلامية؛ ومنها إندونيسيا أيضاً؛ قد فرّطت جميعها في قضية فلسطين!

 

تجنّى الكاتب على حزب التحرير بادئاً من عنوان مقاله الرئيسي والفرعي وفي جميع فقرات مقاله وانتهاء بآخر فقرة فيه، مع وضوح عدم معرفته الكافية به، وبيان ذلك:

 

أولاً: في العنوان الرئيسي (حزب التحرير الإندونيسي)، فإمّا أن الكاتب يجهل حقيقة حزب التحرير بأنّه حزب للأمة الإسلامية كلها، وإمّا أنّه انطلق من نظرته الضيقة: القطرية والقومية، مجارِياً الواقع الخاطئ المفروض على الأمة الإسلامية بأنْ تكون ممزقة مفرقة في كيانات لا تحكم بما أنزل الله، فأضاف إلى حزب التحرير وصف (الإندونيسي)، مع أنّ حزب التحرير حزب سياسي مبدؤه الإسلام يعمل لتوحيد الأمة الإسلامية في كيان سياسي واحد هو كيان الخلافة الذي أمر الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم ﷺ بإيجاده.

 

ثانياً: في العنوان الفرعي "حزب التحرير يعتمد على العاطفة الشعبية لتعزيز شرعيته الأيديولوجية، وليس بدافع التضامن الحقيقي مع الفلسطينيين"، تضمّن هذا العنوان خطأً وافتراءً، أما الخطأ فهو في عدم معرفة الكاتب بحزب التحرير، وأنّه يستمد شرعيته من الكتاب والسنة وما أرشدا إليه، فشرعية حزب التحرير في عمله لإقامة الخلافة وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر؛ آتية من قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ومن أحاديث رسول الله ﷺ التي جعلت المحاسبة فرضاً على المسلمين، ومن إجماع الصحابة على إقامة الخلافة بعد رسول الله ﷺ. فلا يعتمد حزب التحرير على العاطفة الشعبية لتعزيز شرعيته الإيديولوجية، وإنما يقوم بواجبه الشرعيّ في بيان الحكم الشرعي في قضية فلسطين للناس. أمّا الافتراء فهو في قوله: (وليس بدافع التضامن الحقيقي مع الفلسطينيين) وقد كرّر هذا الافتراء على الحزب وشبابه غير مرة بما في ذلك ما ورد في العنوان الفرعي (تضامن أم استغلال)، وكأنّه قد شقّ عن قلوب شباب حزب التحرير الذين تحرّكوا كما تحرّك بقية أبناء الأمة من شرقها إلى غربها معبّرين عن تضامنهم مع الفلسطينيين، ليعرف أنّ قصد شباب حزب التحرير ليس التضامن؛ فليتّق الله وليلزم غرزه!

 

ثالثاً: التهمة التي يوجّهها الكاتب لحزب التحرير أنّه يعمل لإحياء مشروع الخلافة الإسلامية، وقد كرّر ذلك غير مرة في مقاله، وهذا يكشف عن مدى معرفته بالإسلام وبأحكامه الشرعية، فلا يعرف أنّ نظام الحكم في الإسلام هو الخلافة، كل ذلك في سبيل دفاعه عن دولته الإندونيسية القطرية القوميّة الضيقة، التي جعلت منه موظفاً في هذه الهيئة ليكون رأس حربة في مكافحة الإسلام السياسي ومحاربة العاملين لإعادة الخلافة، ولا يتسع المجال لذكر أقوال علماء الأمة في وجوب الخلافة، وأكتفي بذكر بعض الأسماء البارزة منهم: فمنهم الماورديّ والنوويّ والجوينيّ وابن حجر العسقلاني والهيثمي وابن تيمية وابن خلدون والجزيريّ والقرطبيّ والنسفيّ والغزنويّ وشمس الدين الرمليّ وعضد الدين الإيجيّ وابن حزم والشوكاني وابن عاشور وغيرهم. لعلّ الكاتب يرجع إلى أقوالهم ويرى أين هو منهم.

 

رابعاً: لم يكتف الكاتب بمحاربة فكرة الخلافة التي يعمل حزب التحرير لإيجادها، بل تجاوز ذلك لمحاربة الجهاد، الذي هو ذروة سنام الإسلام، وهو طريقة الإسلام في الدفاع عن حقوق المسلمين وأراضيهم، وهو الطريقة الشرعية لحمل الإسلام إلى الناس كافة، فالكاتب بعدما ذكر موقف إندونيسيا من القضية الفلسطينية الموقف المناقض للإسلام، الموقف الذي يعطي لليهود حقاً في فلسطين فيما قبل الرابع من حزيران 1967م، بعدما ذكر هذا الموقف المشين يقول: "على الرغم من هذا الدعم الرسمي الثابت، يسعى حزب التحرير إلى تشويه هذه الحقائق عبر الترويج لفكرة أن الجهاد العالمي تحت راية الخلافة هو الحل الوحيد للقضية الفلسطينية"، فالكاتب يتهم حزب التحرير بتشويه ما وصفه بأنه (حقائق)، (الحقائق) التي هي خيانة لله ورسوله والمؤمنين، وتفريط بأرض المسلمين المحتلة قبل الرابع من حزيران، وإعطاؤها ليهود، ويعدّ الترويج لفكرة أنّ الجهاد العالمي تحت راية الخلافة هو الحل الوحيد للقضية الفلسطينية؛ يعدّه تشويهاً للحقائق، كل ذلك في سبيل الدفاع عن دولته القطرية القومية وموقفها الخيانيّ من القضية الفلسطينية، فليتقّ الله وليثب إلى رشده، فحكام إندونيسيا لا يحكمون بما أنزل الله كغيرهم من الحكام في باقي بلاد المسلمين، ولن ينفعوه عند الله، بل سيتبرّؤون منه، ويتمنّى أنْ تكون له كَرّة فيتبرأ منهم، وأنّى له ذلك؟

 

خامساً: كرّر الكاتب في هجومه على حزب التحرير عبارات: "ظهرت أجندات أخرى، أبرزها الخطاب الذي يروّجه حزب التحرير الإندونيسي، التنظيم المحظور الذي يسعى إلى إعادة إحياء مشروع الخلافة الإسلامية"، "لقد تحوّل الصراع الفلسطيني إلى أداة سياسية يستخدمها الحزب للطعن في شرعية الدولة القومية، وزعزعة النظام القائم، وطرح الخلافة كبديل وحيد. بالتالي، لم تعد القضية مجرد تضامن مع فلسطين، بل أصبحت فرصة لتعزيز وجود الحزب وإعادة نشر أفكاره"، "ففي المظاهرات التي نظمها، كان خطاب الخلافة حاضراً بقوة إلى جانب الشعارات المناهضة للغرب والدولة القومية. بالنسبة للحزب، غزة ليست مجرد قضية فلسطينية، بل رمز لمواجهة الديمقراطية التي يراها نظاما فاشلا"، "حزب التحرير لا يدافع عن فلسطين بقدر ما يدافع عن أجندته الخاصة"؛ يتهم الكاتب الكريم حزب التحرير بوجود أجندة خاصة له، وأنّه يسعى لتحقيق أجندته الخاصة، ومن خلال عباراته السابقة تتضح هذه الأجندة بأنها:

 

- إعادة إحياء مشروع الخلافة الإسلامية.

- الطعن في شرعية الدولة القومية.

- زعزعة النظام القائم وطرح الخلافة كبديل وحيد.

- تعزيز وجود الحزب وإعادة نشر أفكاره.

- حضور خطاب الخلافة.

- مواجهة الديمقراطية.

 

من المعلوم عند العقلاء أنّ لكل عامل أجندةَ عمل، سواء أكان فرداً أم جماعة أم دولةً، فلا يَعيبُ حزبَ التحرير أنْ تكون له أجندة عمل، ولكن الأهمّ من كل هذا هو ماهيّة هذه الأجندة، وقياسها على مقاييس الإسلام والعقيدة الإسلامية، لكنّ الكاتب لم يفعل ذلك ولم يُخضعْ أجندة حزب التحرير للإسلام، بل إنه - وللأسف الشديد - يعيب على حزب التحرير عمله لإزالة أنظمة الكفر القائمة في بلاد المسلمين وإقامة الخلافة، الذي هو فرض شرعي، ويعيب عليه رفضه الديمقراطية الكافرة المناقضة للإسلام، لأنها تُعطي عقول البشر الناقصةَ حق التشريع من دون الله تعالى، ويعيبُ عليه تعزيز وجوده ونشر أفكاره، دون أن يقيس ذلك على مقاييس الإسلام، ولم يدرك الكاتب أنّ نشر أفكار الإسلام هو حملٌ للإسلام ودعوة إليه، وهو أمر بالمعروف ونهيٌ عن المنكر.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

خليفة محمد – ولاية الأردن

رابط هذا التعليق
شارك

  • الردود 148
  • Created
  • اخر رد

Top Posters In This Topic

  • الناقد الإعلامي 2

    149

بسم الله الرحمن الرحيم

وضوح الموقف وثبات المبادئ في زمن التحديات

 

 

 

نحمد الله سبحانه الذي أنعم علينا بزوال طاغية الشام وهروبه ذليلاً مدحوراً.

 

إلى عشاق الحرية وإلى كل من يسعى للتحرر من عبودية البشر ليعتز بعبوديته لله وحده،

 

إلى من يطمح إلى حياة كريمة حرة، تجمع بين رفعة المكانة وطمأنينة القلب.

 

إلى من ينشد الانسجام بين العقل والقلب والسلوك، بعيداً عن التناقضات بين الفكر والسلوك أقول:

 

كن ثابتاً على مبادئك، متمسكاً بعقيدتك، مؤمناً بدينك إيماناً صادقاً ولا تكن إمعة تساير الآخرين بلا بصيرة. اجعل سلوكك انعكاساً لما تؤمن به فالثبات على الحق هو الذي يصنع الفرق في لحظات التحدي.

يقول البعض: "نحب الإسلام ونريد أن نعيشه لكن ليس الآن الوقت المناسب للحكم الإسلامي".

 

وهنا نتساءل: من الذي يحدد الأوقات؟ أهو أمر موكول لنا، أم أننا مأمورون بالامتثال لأوامر الله في كل حين؟ إذا كنا ننتظر "الوقت المناسب"، فمن ذا الذي يملك تحديده؟ إن كان هذا ليس وقته، فمتى يكون؟

 

لقد علّمنا التاريخ أن التغيير لا ينتظر ظروفاً مثالية، وإلا لما ثار أهل الشام على الطغيان، ولما تحرر المظلومون، ولما رأينا المستضعفين ينهضون. من كان يتوقع أن يسقط طاغية الشام بتلك السرعة؟ ومن كان يظن أن المعتقلين سينالون حريتهم في لحظة لم تكن في الحسبان؟ إنما هو أمر الله، ينصر من يشاء متى شاء، فلا تجعل الانتظار حجّة للتردد والتقاعس عن العمل لإعادة حكم الإسلام.

لذا، حتى لا تقع في ازدواجية فكرية، عبّر عن موقفك بوضوح، قل بصراحة وصدق: "أنا أؤمن بعدالة الإسلام وأنظمته وأرفض هيمنة الغرب وأنظمة الظلم والاستعباد الرأسمالي". لا تكن ممن يرددون العبارات المائعة مثل: "ليس هذا وقته"! فمثل هذه الكلمات، وإن بدت حيادية، قد تجعلك في صف من يرفضون تطبيق شرع الله، ولو دون قصد. وكذلك أنتِ أيتها المسلمة، لا تقولي: "أنا أرتدي الحجاب وأؤيده، لكن الآخرين لهم حرية عدم ارتدائه". إن الأمر ليس مجرد خيار شخصي، بل هو جزء من هوية المرأة المسلمة. كوني واضحة في موقفك، فإن كنت تؤمنين بأن الحجاب فريضة، فقوليها بثبات بأن لباس المرأة الحرة هو نفسه لباس المرأة المسلمة لا أن تجمعي بين تأييد الفريضة وقبول نقيضها تحت شعارات زائفة!

 

نحن في مرحلة مفصلية حيث هناك طريقان متضادان: أحدهما يقود إلى العزة والرفعة في الدنيا والآخرة، والآخر نهايته الضياع والخسران والذل في الدنيا والآخرة، فاختر موقفك بوعي وبصيرة ولا تخشَ تهديد الغرب أو سخطه، فالله أحق أن تخشاه وقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.

 

ضعوا أيديكم في أيدي شباب حزب التحرير الثابتين على الحق الساعين لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة وما بدلوا تبديلاً، واجعل مخافتك لله وحده في كل قول وفعل وكن ثابتاً على الحق واحرص على أن تلقاه وأنت على دينه ومنهج نبيه ﷺ غير مبدل ولا مفرط حتى تكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رائدة العمري

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أوروبا بين الإهانة والانهيار

 

لقد لفت نظر العالم التغيير غير المبرر بالنسبة للأوروبيين، لسياسة الولايات المتحدة تجاه القضية الأوكرانية وخاصة بعد تحدث المبعوث الأمريكي الخاص إلى أوكرانيا كيث كيلوغ أمام مؤتمر ميونخ الأخير عن عدم ضرورة إشراك أوروبا في المفاوضات المنوي إجراؤها لإيجاد تسوية سلمية للحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.

 

ومن وضوح سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نجد أن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا أصبحت فوق الطاولة دون أي مجاملة لأحد، وقد بدا ذلك بعد لقاء الرياض بين وزيري خارجية البلدين تمهيدا للقاء القمة بين الرئيسين وهذا ما أثار الرعب في أوروبا؛ حيث سارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعقد اجتماع عاجل في باريس مع رؤساء حكومات كل من ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وبولندا وإسبانيا وهولندا والدنمارك ورئيس المجلس الأوروبي أنطوان نيو كوستا ورئيسة المفوضية الأوروبية أوروسولا فون ديرلاين وأمين عام حلف الناتو مارك روته.

 

وقد عبر الرؤساء أنهم ملزمون اليوم بالرد على هذه الإهانة واتخاذ موقف موحد ضد ما يهدد أمن القارة الأوروبية، حيث إن نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس هاجم الأوروبيين متهما إياهم بفرض قيود على حرية التعبير وهذا ما لم يقبله المستشار الألماني أولاف شولتس حيث اعتبره تدخلا في الشؤون الداخلية الألمانية وكذلك تدخل إيلون ماسك مسؤول وزارة الكفاية الحكومية الأمريكية عندما دعا الناخبين الألمان إلى تأييد حزب (البديل من أجل ألمانيا( اليميني المتطرف في الانتخابات التي جرت في 13 شباط الجاري.

 

ويضاف إلى ذلك كله الحرب التجارية التي توشك على الاندلاع بين أمريكا والاتحاد الأوروبي، حيث تعتبر العلاقات التجارية بينهما الأكثر تشابكا وأهمية على مستوى العالم حيث وصل إجمالي التبادل إلى 976 مليار دولار في 2024.

 

وبحسب تقرير البرلمان الأوروبي فإنه إذا فرضت أمريكا رسوما جمركية على منتجات الشركات الأوروبية فإن هذه المنتجات ستصبح أكثر تكلفة وستقل مبيعاتها. وإذا رد الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية على المنتجات الأمريكية فإن هذه المنتجات ستصبح أكثر تكلفة بالنسبة للمستهلكين في داخل الاتحاد. وهذا كله قد يؤدي إلى تعطيل سلسلة التوريد للعديد من شركات الاتحاد الأوروبي، ويضاف لذلك التخوف الأوروبي من عدم التزام أمريكا المشاركة في المنظمات الدولية مثل حلف الناتو وذلك من باب تعزيز التفوق الأمريكي على خصوم أمريكا مثل الصين.

 

وجميع هذه التخوفات جعلت رؤساء الدول الأوروبية يطلقون تصريحات تدل على قوة أوروبا ولكنها لم تتعد التصريحات، وفي طيات هذه التصريحات تقرأ الضعف الأوروبي.

 

فقد دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أوروبا إلى الاستيقاظ وقال "إنه ينبغي زيادة الإنفاق على الدفاع لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية". وتساءل ماكرون قائلا "ماذا سنفعل في أوروبا إذا سحب حليفنا الأمريكي سفنه الحربية من البحر المتوسط غدا؟ ماذا لو سحبوا طائراتهم الحربية من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي؟"

 

أما المستشار الألماني أولاف شولتس على منصة إكس فقال "نحن في الاتحاد الأوروبي بأكثر من 400 مليون شخص في 27 دولة نشكل مجتمعا قويا".

 

وقال الرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز "نحن قلقون من إمكانية بث الرسائل التي تؤثر على ملايين الأشخاص عبر شبكات التواصل الاجتماعي".

 

أما رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان فقال "إن رئاسة ترامب من شأنها أن تؤدي إلى تعزيز الجناح اليميني في أوروبا".

وطبعا زيادة النفوذ اليميني تزيد من الاضطرابات السياسية وصنع القرار في أوروبا.

 

ولا نعلم إلى أي مدى قد يؤثر عدم استقرار حكومات الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي أمثال ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وتوصلهم إلى حلول قد تبقي على الاتحاد الأوروبي قائما، وهل سوف تقدم هذه الدول مقاربات معينة لأمريكا تساهم في عبور هذه الأزمة؟ على سبيل المثال:

 

  • أن تقدم أمريكا ضمانات أمنية لأوكرانيا كبديل لدخولها في حلف الناتو ما يحفظ هيبة أوروبا وضمان أمن أوكرانيا
  • دخول كييف إلى الاتحاد الأوروبي مقابل التعهد بإعادة إعمار أوكرانيا على النفقة الأوروبية
  • إبقاء المساعدات العسكرية لأوكرانيا قائمه بدل إرسال جنود للقتال هناك
  • رفع مشاركات الدول الأوروبية في حلف الناتو من 2 إلى 3% من الدخل القومي.
  •  

ورغم أن هذه المقاربات لم تطرح مجتمعة وإنما لمح لبعضها فإنها لا تعتبر حلا بل سوف تبقى عاملا ضاغطا على وجود الاتحاد الأوروبي.

 

إن سياسة ترامب الجديدة تنم عن انقسام في صناعة القرار الأمريكي وقد يحدث فيها تغير قريب وليس ببعيد، وإذا لم يحدث فإنها تساهم بشكل كبير في إرهاق قوة الاتحاد الأوروبي ما يؤدي إلى تضعضعه، ومنها:

 

■ ضغط ترامب على أوروبا عبر حلف الناتو إما بدفع التزامات أكبر مع تخفيض كبير لالتزامات أمريكا أو إنهاء حلف الناتو، وهذا مستبعد، فهذا يجعل أوروبا أمام تحديات كبيرة.

■ الحرب التجارية التي يفرضها ترامب فهو يضغط على اقتصاديات الاتحاد بشكل عام وعلى اليورو تحديدا.

■ سياسة ترامب الداعمة لليمين الأوروبي أمثال فيكتور أوربان ومارين لوبان... وغيرهما.

 

لذلك فإن وجود ترامب وسياسته معادية للاتحاد الأوروبي بشكل كبير جدا.

 

أما عن فرضية انهيار الاتحاد الأوروبي فهي قد تكون مستبعدة في حال إبداء دول الاتحاد تعاونا كبيرا على جميع المستويات وهذا أيضا مستبعد. ومن ناحية أخرى فإن انهيار الاتحاد الأوروبي ليس مستبعدا تماما مع زيادة الأزمات والضغط المتزايد وقد يصل بهم إلى نقطة اللاعودة وذلك يعود إلى أسباب قد تسرع في انهيار الاتحاد الأوروبي الذي اعتبر يوما ما نموذجا ناجحا للوحدة الاقتصادية في أوروبا، ومن هذه الأسباب:

 

عدم استقرار الحكومات الأوروبية:

 

فجميع دول الاتحاد الأوروبي الكبرى تعيش اليوم انتخابات ومنافسات شديدة من اليمين المتطرف؛ ففي ألمانيا فإن الحكومة التي أطلق عليها اسم (إشارة المرور) والتي تشكلت بعد انتخابات 2021 وتتألف من ثلاثة أحزاب؛ الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر الذي انسحب بالفعل من الحكومة بعد رفض التصديق على الميزانية في البرلمان، واليوم ألمانيا تنتظر انتخابات مبكرة وهي لم تحدث في ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية.

 

وأيضا في فرنسا فإن الرئيس الفرنسي خسر انتخابات البرلمان الأوروبي وبعدها خسر الأغلبية البرلمانية وهو ما أدى إلى سحب الثقة من الحكومة الفرنسية السابقة برئاسة ميشيل بارنيه، وهذا أيضا لم يحصل منذ عام 1962.

 

وزيادة نفوذ اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي وفي الانتخابات الوطنية الأوروبية فكانت أغلبية الأحزاب فيها يمينية، وجميع الأحزاب اليمينية في أوروبا التي وصلت منها إلى السلطة أو التي عززت موقعها في صفوف المعارضة تعتبر مشكلة كبيرة بالنسبة للاتحاد الأوروبي ولمشاكله الاقتصادية.

 

الفجوات السياسية في الجبهة الأوروبية:

 

فأغلب العواصم الأوروبية لها آراء متباينة تجاه الحرب في أوكرانيا وظهر خلاف قوي بين أوكرانيا وبعض الدول الأوروبية معترضين على سياسة رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي ومنهم من يؤيد ضرورة إيقاف الحرب كرئيس الوزراء المجري، والحقيقة أن أغلب دول الاتحاد تتمنى وقف الحرب الروسية الأوكرانية لأنها أدت إلى مشاكل سياسية واقتصادية ولكن مع ضمانات لأمن أوروبا وهذا قد لا يتحقق.

 

خسائر وأزمات مالية:

 

تم تأسيس النموذج الألماني على ثلاثية اعتمدت: الشراكة الأمنية مع أمريكا وحمايتها لدول أوروبا، والشراكة الاقتصادية مع الصين، وانخفاض سعر الطاقة الروسية.

 

وللأسف هذا كله تبدل بعد الحرب الأوكرانية عام 2022م

 

وأضيفت إليها أخطار أخرى متعددة من أهمها العلاقات التجارية الدولية وفرض الضرائب وخاصة اليوم مع سياسة ترامب الجديدة. والاتحاد يرى أن الصين وأمريكا لا تلتزمان بقواعد التجارة الدولية.

 

وبالإضافة لذلك مطالب ترامب برفع مستوى الإنفاق العسكري في ميزانية حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى نسبة 5% من الدخل القومي لكل دولة، وهذا قد يؤدي إلى رفع مستوى التوتر إلى مراحل الطلاق.

 

لذلك يعتبر الاتحاد الأوروبي اقتصاديا معرضا إلى خطر بدون المزيد من الأموال والديون المشتركة حيث دعا رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراغي الاتحاد الأوروبي إلى استثمار ما يصل إلى 800 مليار يورو إضافية سنويا والالتزام بالإصدار المنتظم للسندات المشتركة لجعل الكتلة أكثر قدرة على المنافسة مع الصين والولايات المتحدة.

 

وقال دراغي إن أوروبا ستحتاج إلى تعزيز الاستثمارات بنحو خمس نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي للكتلة وهو مستوى لم تشهده منذ 50 عاما من أجل تحويل اقتصادها حتى تتمكن من البقاء قادرة على المنافسة.

 

ملف الهجرة أساسي لانقسام الاتحاد الأوروبي: حيث إن ملف الهجرة أحد أكثر الملفات تعقيدا وإثارة للجدل في الاتحاد الأوروبي حيث تختلف أولويات الدول الأعضاء بشأن كيفية التعامل مع الهجرة؛ فتركز بعض الدول على منع الهجرة غير الشرعية، بينما تفضل دول أخرى التركيز على الاندماج المجتمعي للمهاجرين، وهذا أكثر الملفات استغلالا من الأحزاب الشعبوية لتعزيز أجنداتها المناهضة للهجرة، وهذا يهدد الديمقراطية التي يدعونها.

 

فجوات متزايدة الاتساع:

 

وبذلك تقترب أوروبا أكثر فأكثر من حافة الهاوية وتتلاشى بسرعة افتراضيات الماضي المريح وخاصة مع غياب الثروات التي تأتي من الاستعمار القديم ومن مشاكل الطاقة المتزايدة والمتفاقمة وخاصة مع زيادة التهديد الروسي وزيادة الإنفاق الدفاعي لتحديث الجيوش الضامرة وإنشائها من جديد والضغط على المالية العامة وكل هذا يعمق الشعور بالقلق.

 

فأوروبا اليوم تعيش أجواء بيئة أمنية مهددة سكانية جاثمة ونقص في العمالة مع رفض المهاجرين وقضايا أخرى كثيرة.

 

وبذلك يعتبر انهيار مشروع الاتحاد الأوروبي أحد أكثر الأحداث كارثية في التاريخ الحديث مع أن الاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه عام 1993 حمل في طياته تحديات صراعات داخلية وخارجية ولكن اليوم يعاني من فقدانه للقرار السيادي فإذا أراد أن يقيم إصلاحات تعيده إلى بوابات النجاح فعليه بخطوات سريعة للإصلاح السياسي والأمني والاقتصادي للاتحاد وأن يحاول استعادة فرصته في الوجود في الساحة الدولية، وهو يستطيع أن يلعب دور وساطة في كثير من القضايا الشائكة ولكن بشرط وحيد هو الاستقلالية في قراره بعيدا عن الولايات المتحدة وهذا أعتقد أنه في أيامنا الحالية صعب المنال إن لم تأت حكومات جادة وقادرة على فرض رأيها وخوض الحروب لأجل ذلك.

 

إن التغيرات السياسية التي تمر على العالم اليوم لم يمر مشابه لها مطلقا، فنحن في مرحلة تغير نظام دولي قائم مهترئ وقدوم نظام دولي جديد ينهي السيطرة الأمريكية على دول العالم وينهي جشع الرأسمالية وتغولها على قوت الناس وعيشهم.

 

إن مرحلة التغيير اليوم تتطلب من جميع الأطراف على مستوى العالم العمل للتخلص من هذا النظام العالمي الجاثم على صدور الدول ويتحكم بها كما تريد الدولة الوحيدة التي تتربع في عرش الموقف الدولي ولا يوجد أحد غيرها لأنها تقترح وتفرض وتنفذ في آن واحد دون حسيب ولا رقيب، وهذا ما أودى بالعالم إلى حاله اليوم.

 

فيجب على جميع مفكري العالم وحكامه المخلصين أن يعملوا ضد هذه الدولة لنتخلص من جبروتها وتحكمها في قرارات كل دول العالم ومخالفتها للنظام الدولي الذي وضعته بنفسها، إذا خالف مصالحها.

 

وباعتبار أننا نبحث عن مبدأ بديل يسقط هذا المبدأ الرأسمالي المتسلط فحتما لن يكون الكلام إلا على مبدأ الإسلام لأنه هو الوحيد القادر على خلع المبدأ الرأسمالي من العالم.

 

فيا أيها المسلمون في كل مكان، إن ديننا هو الوحيد الذي يحمل في طياته ترياق النجاة من سموم الرأسمالية فغذوا السير مع العاملين واعملوا ليلا ونهارا حتى نعيد لهذا الدين مركزه وموقعه بين دول العالم ونعيد للإسلام والمسلمين عزهم ونرضي الله سبحانه ونخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

 

قال تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

نبيل عبد الكريم

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

مسألة رؤية الهلال واحدة لجميع الأمة

(مترجم)

 

 

 

أما رؤية الهلال فهي محل خلاف، فذهب علماء الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن رؤية واحدة في أي أرض أو أي منطقة لغروب الشمس (مَطْلَع) تكفي لجميع الأقطار، وخالف بعض علماء الشافعية هذا الرأي في اختلاف المطالِع، ولكن ليس كل علماء الشافعية يخالفونهم، تقبل الله من جميع العلماء ما قالوا.

 

ومن الجدير بالذكر أن أحداً من العلماء القدماء لم يعتبر الحدود القومية أو القبلية أو العنصرية أقاليم في هذه المسألة، فالأمة الإسلامية أمة واحدة لا تفرقها أعراق ولا لغات، ولا تبالي بالحدود الاستعمارية التي فرقتنا وأضعفتنا أمام أعدائنا.

 

1- أما دخول شهر رمضان ويوم العيد، أول شوال، فقد قال رسول الله ﷺ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَان ثَلَاثِينَ». رواه البخاري ومسلم

إن تحقيق المناط هو الأساس لمعرفة الحكم الشرعي في أي مسألة، فحقيقة بداية أي شهر هجري تكون بعد ولادة الهلال، وهي السبب الشرعي المؤدي إلى العبادات، كالصيام والحج وزكاة الفطر والعيد وغير ذلك. والحقيقة أن الهلال له ولادة واحدة، كحدث واحد، للعالم أجمع، ثم نسعى إلى رؤيتها بالبصر.

 

وفي اللغة فإن الحديث الشريف يدل على جميع المسلمين أينما كانوا، والأمر (صوموا) عام يشمل جميع المسلمين في جميع أقطار الأرض، و(لرؤيته) عام أيضاً، فهي كل رؤية وليست رؤية قوم معينين في بلد معين.

 

جاء في شرح رياض الصالحين (يعني أنه يجب على المسلمين أن يصوموا إذا رأوا الهلال، هلال رمضان، فإن لم يروه فلا صيام عليهم).

 

2- وجاء في "الفقه على المذاهب الأربعة" (إذا ثبتت رؤية الهلال بقطر من الأقطار وجب الصوم على سائر الأقطار، لا فرق بين القريب من جهة الثبوت والبعيد إذا بلغهم من طريق موجب للصوم. ولا عبرة باختلاف مطلع الهلال مطلقاً، عند ثلاثة من الأئمة).

 

جاء في "الموسوعة الفقهية" (ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة، وهو قول عند الشافعية، إلى عدم اعتبار اختلاف المطالع في إثبات شهر رمضان، فإذا ثبتت رؤية هلال رمضان في بلد، لزم الصوم جميع المسلمين في جميع البلاد، وذلك لقوله ﷺ، صوموا لرؤيته وهو خطاب للأمة كافة. والأصح عند الشافعية اعتبار اختلاف المطالع).

 

3- أما الشافعية فقد جاء في "الفقه على المذاهب الأربعة" (أما الشافعية فقالوا، إذا ثبتت رؤية الهلال في جهة وجب على أهل الجهة القريبة منها من كل ناحية أن يصوموا بناء على هذا الثبوت، والقرب يحصل باتحاد المطلع، بأن يكون بينهما أقل من أربعة وعشرين فرسخاً تحديداً، أما أهل الجهة البعيدة فلا يجب عليهم الصوم بهذه الرؤية لاختلاف المطلع). وأربعة وعشرون فرسخاً تساوي 120 كم.

 

4- وهناك من الشافعية من يوافق الثلاثة الأحناف والمالكية والحنابلة. قال الإمام النووي في "المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (وقال بعض أصحابنا تعم الرؤية في موضع جميع أهل الأرض).

 

وقال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (الحجة في حديث كريب، هو قول ابن عباس رضي الله عنهما، هكذا أمرنا رسول الله ﷺ فهو لا يريد بقوله، "هكذا أمرنا رسول الله ﷺ" أن عنده عن الرسول ﷺ حديثاً خاصاً بهذه المسألة يدل على عدم الصيام، بل مراده بذلك الأحاديث الآمرة بالصيام لرؤية الهلال، كما في الحديث الذي أخرجه الشيخان لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غُمّ عليكم فاقدروا له، وقد سبق أن أشرت إلى أن هذا الحديث لا يختص بأهل ناحية على جهة الانفراد، بل هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين، فهذا اجتهاد صحابي، إذا كان هذا اجتهاداً)

 

5- من المحزن أن يصبح موضوع رؤية الهلال موضوعاً للجدل، وهو من أعراض ضعف فهم ديننا، والذي هو بدوره نتيجة لغياب الخلافة التي أسست نظاماً تعليمياً إسلامياً قوياً منذ قرون.

 

لقد أصبح هذا الموضوع موضوعاً للجدل من الحكام الحاليين، الذين يسعون إلى تقسيم الأمة الإسلامية. إنهم يريدون منع وحدة الأمة الإسلامية، التي هي أعظم مخاوف أسيادهم في الغرب. لذلك فإنهم يثيرون أموراً لا يوجد فيها حتى ذرة من الدليل على تقويض رؤية الأمة الموحدة. ويسعون إلى إيجاد مبررات لبناء القومية والانقسام بين المسلمين. ومن المؤسف أن بعض العلماء الذين باعوا دينهم بثمن بخس يساندونهم في ذلك. هذا بالإضافة إلى أن هؤلاء العلماء تأثروا بواقع الدول القومية الفاسد، والذي سببه الانحدار الفكري، والذي تجلى أيضاً في ضعف المعرفة الفقهية.

 

إن الحل لا يكمن في الاستغناء عن العلماء كركيزة من ركائز المجتمع الإسلامي، بل في تقويتهم، بتشجيع الأقدر من أبنائنا وبناتنا على بذل الوسع في طلب العلم في ديننا. إن ما يهم في عصرنا هو تجديد ديننا. والتجديد ليس هو الإصلاح. فصورة الإسلام في صورته الكاملة، ولا يحتاج إلى إصلاح. إن المطلوب هو تجديد فهمنا له. وهذا يتوقف على تحسين لغتنا العربية، لغة ديننا. ويتوقف على تدقيقنا في القرآن الكريم والسنة النبوية. وهذا يعني احترام العلماء القدماء الذين قضوا عقوداً من الزمان في فهم المعاني التي فهمها الصحابة رضي الله عنهم؛ خير القرون. ويتطلب إعادة دولة الخلافة التي أنتجت البيئة التي نشأ فيها خيرة العلماء، العمالقة الذين نقف على أكتافهم.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مصعب عمير – ولاية باكستان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

ترامب وزيلينسكي... مشهدٌ لا يُقدر بثمن

 

مشادة كلامية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني زيلينسكي شكلت صدمة كبيرة للأوساط السياسية العالمية وخاصة الأوروبية والأمريكية، وفي الوقت الذي وصفها قسم بقلة احترام وتقدير من الرئيس الأوكراني إلى أمريكا ورئيسها ونائب رئيسها، وقسم آخر وصفها بالفخ والمكيدة التي نصبها ترامب لزيلينسكي وخروج كبير عن اللياقة الدبلوماسية المعهودة لمثل هكذا لقاءات، وغير ذلك من التعليقات الكثيرة التي ضجت بها الأوساط السياسية والإعلامية، ولكن فيما حدث دروس وعبر كثيرة، نسلط الضوء على بعضها:

 

بداية لا بد من التأكيد على أن صراحة ترامب الزائدة وافتقاره إلى الحنكة واللباقة شكل فرصة كبيرة لكشف الوجه الحقيقي للسياسة الأمريكية في العالم، فأكد ترامب أن أمريكا لم تكن تنظر إلى مسألة صراع أوكرانيا وروسيا على أنه صراع حق وباطل، أو قيم وأخلاق، بل صراع مصالح ومكتسبات واستعمار.

 

فبعد أن كانت أمريكا تتشدق بدعمها للحرية والديمقراطية ومعاداة الدكتاتورية والرجعية وأعداء الديمقراطية، أظهر ترامب أن تلك كانت مجرد شعارات كاذبة لا مكان لها في قاموس أمريكا، فبدأ يستعجل قطف ثمار الحرب التي كانت أمريكا السبب في اندلاعها، بعد مئات آلاف القتلى من الطرفين والدمار الكبير الذي لحق بالبلدين، بعد أن زجت بهما أمريكا في حرب طاحنة أحرقت الأخضر واليابس، دون أن تأسى عليهم أو تحزن على أولئك الضحايا الذي كانوا وقودا لحرب لا ناقة لهم فيها ولا بعير. جاء الآن ترامب ليتعامل مع المسألة على أنها صفقة تجارية، يبتز بها أوكرانيا لتوقع على عقد نهب أمريكا لأوكرانيا بقيمة 500 مليار دولار من المعادن النفيسة والاستراتيجية.

 

وابتزاز ترامب لأوكرانيا هذا جاء بشكل صارخ وفج، فهو يهددها بخسارة الحرب أمام روسيا من خلال إيقاف الدعم العسكري لها، ويهدد رئيسها نفسه بخسارة منصبه عند تخلي أمريكا عنه وعن بلاده، فيضعه أمام الإعلام والكاميرات والميكروفونات بين إما أن يوقع على تسليم ثروات أوكرانيا لأمريكا وقبوله أن تصبح أوكرانيا مستعمرة أمريكية بدون حتى ضمانات أمنية أمام روسيا، وإما أن تتركه أمريكا أمام الدب الروسي مكشوف الظهر والبطن ليلتهمه ويكون عبرة لمن بعده.

 

بهذه البساطة الوقحة تصرف ترامب ليظهر للعالم أجمع الوجه الحقيقي للسياسة الأمريكية في العالم. وكيف أن أمريكا مستعدة لقتل الآلاف، بل الملايين، والزج بالشعوب والأمم والدول إلى حروب فتاكة ووحشية من أجل تحقيق أطماعها الاستعمارية ومصالحها المادية، فيا تعس وشقاء من يسير خلفها أو يتعلق بحبالها.

 

فها هو الغرب - أمريكا وأوروبا - قاتل روسيا بالشعب الأوكراني، تحقيقا لمصالحه، بينما مصالح أوكرانيا لا مكان لها في حساباتهم وهي آخر همومهم، وحتى أمنية الانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي والتي كانت سبب الحرب، حتى هذه لم يعطوها لأوكرانيا رغم ما دفعته من أثمان بقتالها روسيا بالوكالة عنهم.

 

والشيء الأكيد أيضا أن غباء رئيس أوكرانيا شكل درسا بليغا لكل تابع، فهو بغبائه ووثوقه بالثعلب الأمريكي وبالأوروبيين، الذين ليسوا أحسن حالا من أمريكا، ولولا أنهم يجتمعون مع أوكرانيا في العداء لروسيا والخوف من تهديداتها لوجد منهم ما وجده من ترامب أو أشد، فزيلينسكي بغبائه هذا أورد بلده وشعبه المهالك، فقبل أن يكون هو الطعم الذي استدرجت به أمريكا روسيا لتحقيق مصالحها في أوراسيا، فدمر بلده وتسبب بموت مئات الآلاف من جنوده وشعبه، وكان وقودا للحرب الأمريكية الأوروبية الروسية، حتى أصبحت رقبته هو وشعبه بيد مصاصي الدماء، فأصبح بين وحشين، الأمريكي والأوروبي أو فك الدب الروسي. فأي قصر نظر هذا وأية مهلكة أورد فيها شعبه. ليكون ذلك درسا لكل من يتولى الحكم وهو ليس أهلا له، فقيادة الناس والشعوب تحتاج إلى شخصيات قيادية مبدئية وليس إلى هواة وقصيري نظر.

 

أما الشيء الوحيد الذي يحسب لزيلينسكي، فهو موقفه الأخير في البيت الأبيض، إذ رغم الضعف الذي هو فيه وشدة الحاجة التي وصل إليها، إلا أنه فاق من غيبوبته بعد أن ألقى ترامب على وجهه سطل ماء، فأدرك أنه بمطاوعته لترامب وخضوعه لما يريد يكون كمن يقتل نفسه بنفسه ويذهب لحتفه بقدميه، فرفض ذلك في موقف جريء أشعرنا بمدى بؤسنا بحكامنا العملاء أمثال ملك الأردن، الذي جلس قبل أسابيع على الكرسي ذاته ولكنه كان جلوس الذليل الخانع، جلوس التلميذ الفاشل أمام المعلم، فلم يفق مما هو فيه من ذل وهوان رغم شلال الماء الذي فتحه ترامب على وجهه، فزدنا حسرة على حسرتنا، وقلنا يا ويح حكامنا أعجزوا أن يكونوا مثل زيلينسكي؟!

 

إنّ العالم والمسلمين خصوصا، في أشد الحاجة إلى قادة أصحاب قيم ومبادئ يضعون حدا للمتغطرس ترامب وإدارته، ويخرجون الناس والعالم من ظلم الرأسمالية وفسادها وإفسادها.

 

ولن يقوى أحد على الوقوف في وجه أمريكا إلا دولة الخلافة القادمة، فلا أوروبا المتهالكة ولا روسيا الفاسدة ولا الصين المتقوقعة قادرين على التصدي لأمريكا وغطرستها، فقط الإسلام وخليفة المسلمين هما المؤهلان لذلك. ولذلك نقول لأمتنا بأن الأوان لاستعادة مكانتها وعزتها وريادتها قد آن.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس باهر صالح

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

رمضان فرصة للتأمل والتغيير

 

هلّ علينا شهرٌ مبارك، شهرٌ نفرح بقدومه رغم الآلام والأحزان والمصائب التي نعيشها. شهرٌ وردت في بركته وعظمته آيات وأحاديث عديدة: منها قوله ﷺ عن أول ليلة من رمضان: «وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أقْصِرْ»، فمن يريد الخير يطلبه ويسعى له، ومن يريد الشر يطلبه ويسعى له، أي كلٌّ يعمل حسب هدفه الذي يرجوه ويريده.

 

فرمضان هو شهر الخيرات والبركات، وفرصة عظيمة للسعي نحو الفلاح في الدنيا والآخرة. فهو موسم للطاعة، وميدان للتنافس في أعمال البر وتحقيق التقوى لنيل رضا الله الذي هو النجاح الحقيقي. فهو شهر فضيل مميز، ليس فقط لأنه شهر الصيام والعبادة، بل لأنه فرصة ثمينة للتأمل في علاقتنا مع الله وإعادة تقييم مسار حياتنا للتغيير للأفضل، والنظر في أهدافنا الحقيقية وتحديد مفهوم النجاح في حياتنا، ليس من منظور دنيوي، بل من منظور ديني وروحي وأخلاقي.

 

ففي ظل هذا العالم المادي الذي نعيشه والذي يركز على النجاح المادي والإنجازات المهنية، يأتي رمضان ليذكّرنا بأن الحياة دار فناء علينا أن نتزود منها للآخرة دار البقاء. وأنها ليست لجمع المال أو تحقيق الشهرة، بل هي مرحلة لاختبار الإيمان والعمل الصالح والابتلاءات والصبر وطاعة الله، ما يساعدنا على إعادة التفكير بماهية النجاح الحقيقي وكيفية تحقيقه. هذا النجاح الذي لا يقاس فقط بالثروة أو المكانة المجتمعية، بل بالسلام الداخلي، والرضا عن الذات، والقرب من الله. هو التوازن بين الروح والجسد، بين العمل والعبادة، وبين النجاح الدنيوي والنجاح الحقيقي. ولتحقيق ذلك علينا أن نكرس جزءاً من وقتنا للتفكير في كيفية تحسين نوايانا وأفعالنا ودواخلنا وأنفسنا أخلاقياً وروحياً.

 

فالناس صنفان: صنف حدد هدفه أو أهدافه فيعلم ما يريد وماذا سيفعل، وصنف لا يعرف كيف تمضي به الأيام! وهذا أيضاً يحصل في رمضان: صنف قد حدد هدفه، ويعلم ماذا يريد من رمضان، وما هي الثمرة التي يرجو جنيها. وصنف آخر غافل لاهٍ مفرِّط، تستهويه أنواع الملهيات المنتشرة في رمضان من قنوات فضائية بما فيها من برامج سخيفة تافهة، ويضيع أوقاته على مواقع التواصل الإلكتروني، وفي السهرات مع خلانه لغاية الفجر بلا فائدة، ثم النوم طيلة النهار. ومنهم ضيّقو الخلق الذين يتعاملون بسوء مع غيرهم بحجة أنهم صائمون، السادرون في غيهم من مخالفات شرعية وكأن الصيام فقط عن الأكل والشرب!!

 

فلنحذر من هذا كله، فإنها تسلب منا أفضل الأوقات وأحسن المقاصد، ولنحدِّد أهدافنا لنسلك سبل الفلاح بالسعي للأجر والثواب ونيل رضا الله جل وعلا، ولنستعن به سبحانه ولا نعجز ولا نتشتت. فإن المحروم من حُرِمَ الأجر في موسم الأجور، والمغبون من ضيع السلعة الغالية بثمن بخس.

 

دعونا ننظر لأنفسنا، كل واحد يرى حاله بصدق وشفافية ويرى أهدافه:

 

هل سلوكياتنا تتوافق مع روحانية هذا الشهر؟!

 

هل نصوم نهاره حق صيامه بالامتناع عن كل ما يغضب الله سواء قولا أو فعلا، أم فقط عن الطعام والشراب؟

 

هل نقوم ليله بالصالح من الأعمال من صلاة وتسبيح وتهليل وذكر لله وغيرها، أم بما ذكرنا قبل من مُلهيات تستهوي العديدين في رمضان؟!

 

هل نتدبر آيات القرآن أم فقط هي صفحات نقرؤها ونتسابق في ختم قراءتها بلا تدبر ولا تمعن ولا تطبيق لأحكامه؟!

 

هل نتكافل مع الأهل والأصدقاء والجيران ونتلمس حاجة الفقير والمحتاج، خاصة المتعففين عن السؤال وهم أصبحوا كثيرين في هذه الظروف أم كل يقول اللهم أسالك نفسي وعائلتي، ويكفيني حِملي وهمومي؟!

 

أيضا علينا ألا نغفل أن رمضان كما هو شهر عبادة فهو أيضا شهر إنتاج وعمل وليس شهر نوم وخمول وكسل. فهناك العديد يتخذ موسم رمضان حجة لترك العمل أو التهاون فيه خاصة بعض موظفي الخدمات العامة للناس، فنجدهم لا يؤدون عملهم كما يجب ويتقاعسون وربما قال لك أحدهم ألا ترى أني صائم؟ ناهيك عن العصبية وسوء الخلق بحجة الصيام!!

 

ورمضان شهر البركة والخير، ومنها تفطير الصائمين، يقول رسول الله ﷺ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ، وَإِنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ». نعم، هناك ولائم وموائد إفطار ولكن أي صائمين وأي ناس؟ هل هم للفقراء والمساكين وذوي الأرحام أم فقط للأغنياء وأصحاب المصالح؟ هل تكون الولائم لرضا الله تعالى ولينال أجر تفطير صائم أم للمباهاة والمفاخرة والرياء والنفاق؟!

 

وكذلك المساجد تمتلئ بالمصلين وتراها بعد رمضان خاوية إلا من قلة، وكأن الله سبحانه طلب صلاة الجماعة والمساجد فقط في رمضان!!

 

يعني أين الروحانية في هذا الشهر الفضيل؟!! أين التقرب إلى الله فعليا فيه؟

 

وكما نزيّن بيوتنا فرحاً بقدوم شهر البركة علينا تزيين نفوسنا وقلوبنا وألسنتنا لاستقباله؛ بأن نجعل قلوبنا مضيئة بالإيمان والمحبة والتكافل والتسامح الحقيقي، وإحسان الظن بالآخرين وذكرهم بما يسرهم وأن نجبّ الغيبة عنه والكثير من الأخلاق والقيم الإسلامية الرائعة التي نفتقدها في تعاملاتنا.

 

فرمضان ما هو إلا أيام قال فيها رسول الله ﷺ: «رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ».

 

وفي الختام نقول إن رمضان يُختصر في جملتين: ‏"رمضان قصير لا يحتمل التقصير، وقدومه عبور لا يقبل الفتور". فكلما تكاسلنا، لنتذكر قول الله تعالى في آية الصيام ﴿أيَّاماً مَعْدُودَاتٍ﴾. نعم هي أيام معدودات أجرها كبير عظيم إن اغتنمناها جيدا، جعلنا الله وإياكم ممن وفقهم الله لاغتنامها.

 

ونسأل الله عز وجل أن نكون من المقبولين في رمضان وغير رمضان. اللهم بلغنا ليلة القدر واجعلنا فيها من الفائزين. اللهم أتمه علينا وأعده علينا بالخير واليمن والبركات وقد تحقق وعد الله سبحانه وبشرى رسوله ﷺ بدولة الإسلام. وتقبل الله منا ومنكم الطاعات وصالح الأعمال.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مسلمة الشامي (أم صهيب)

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

يا أمة الإسلام طال ليلك فمتى تنهضين من سباتك؟!

 

 

صعوبة حياة المسلمين تزداد كلما طال وقت غياب الإسلام عن حياتهم، وأصبحت إعادة الإسلام إلى واقع الحياة أكثر صعوبة؛ وذلك بسبب ثقل الواقع الفاسد عليهم وتشعب طرقه وأدواته.

 

ففي عهد النبوة كان الواقع أقل سوءا من واقعنا اليوم، فهناك كانت معظم القبائل العربية حرة الإرادة عزيزة ومعتدة بنفسها ولها سطوتها في الصحراء التي تعيش فيها. كانوا يعبدون أصناما من الحجارة والخشب والتمر ويقدسونها ويعظمونها، فنزل الوحي على قلب رسول الله ﷺ وبدأ مهمته الشاقة في تغيير معتقد الناس من عبادة الأصنام إلى عبادة رب الأنام جل في علاه، وما هي إلا ثلاث عشرة سنة حتى أقام الرسول ﷺ دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة زادها الله نورا. وبسنوات قليلة أخرى سقطت إمبراطورية فارس، وتم طرد الروم من الشام وشمال أفريقيا وأصبحت الدولة الإسلامية هي الدولة الأولى في العالم لقرون مديدة حتى أسقطها مجرم العصر مصطفى كمال في الثالث من آذار/مارس 1924م.

 

ومنذ ذلك الحين غاب الإسلام عن واقع حياة المسلمين في الدولة والمجتمع والعلاقات بينهم وتحكمت بهم الشرائع والقوانين الغربية، فغيبت العقول وقل النظر عندهم في تشخيص واقعهم المزري وتمزقت أركانهم وأصبحوا يعيشون في سجون تسمى أوطانا، وتمكنت منهم الأفكار الهدامة من قومية ووطنية واشتراكية ورأسمالية، والأفكار العلمانية المغلفة بغلاف من الإسلام شكليا وليس لها من الإسلام نصيب، وأصبح قرارهم السياسي بيد أعدائهم يتحكمون بهم كيفما شاؤوا.

 

وهكذا دخل المسلمون في نفق مظلم، ولم يعد الوقت في صالحهم فكلما طال الزمان ازدادت العوائق والمطبات المفتعلة عليهم وازدادوا بؤسا وشقاء وفقرا وجهلا وغربة، وأصبحوا وهم أمة المليارين بين الأمم بلا وزن ولا ذكر ولا قيمة ولا يلتفت لهم أحد، وأصبح الغرب والشرق يفعلون بهم ما شاؤوا بلا أي ممانعة من حكامهم وقادة جيوشهم، بل يتواطؤون مع عدوهم عليهم وما فلسطين وكشمير والبوسنة إلا خير شاهد.

 

إن الأزمات التي عصفت بالمسلمين أثبتت بالدليل القاطع الذي لا شك فيه أنه يجب عليهم قلع أنظمة الحكم العميلة الخائنة الرابضة على صدرهم، فهي لم تكتف فقط بخذلانهم بل عملت على المكشوف على دعم أعدائهم وتمكينهم من رقابهم ليفعلوا بها ما يشاؤون بلا مواربة أو خداع أو تضليل كما كان يحصل قبل سنوات قريبة، حيث كانوا يغطون عوراتهم بورق التوت الذي سقط عنهم جميعا أثناء أحداث غزة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023م.

 

فيا أيها المسلمون: على أيديكم أنتم وبعملكم وبسعيكم وبحبكم لدينكم ولربكم ولنبيكم وبعد مشيئة ربكم العزيز الحكيم يجب أن يحصل التغيير الذي يغير واقعكم الفاسد إلى واقع يحبه الله ورسوله، وذلك بالعمل الجاد ومطالبة من نظن أن فيهم الخير (كبلاد الشام بعد الخلاص من طغيان حكم آل الأسد) بتطبيق الإسلام كاملا بلا مواربة أو مداهنة أو تسويف، وعدم الالتفات إلى موافقة أو رضا الغرب عن ذلك فهم لم ولن يرضوا أبدا بتحكيم الإسلام وسيحاربون ذلك بكل قوتهم، ونحن نستعين عليهم بالله القوي الجبار، ثم ما استطعنا من جمعه من أسباب القوة والتمكين فكفتنا هي الراجحة، ونصرنا هو المتحقق في النهاية فالله ينصر من ينصره، وهذه نتيجة حتمية وقاعدة ثابتة تدفعنا بكل قوة وثقة للوقوف بوجه أعتى الأنظمة الظالمة والمجرمة والتي لا تألو جهدا في محاربة الله ورسوله والمؤمنين.

 

فلا تركنوا إلى واقعكم الظالم، فكلما طال سكوتنا وقعودنا عن تغيير واقعنا زاد الثمن الغالي الذي سندفعه للتغيير ولم نعد نتحمل المزيد من سفك الدماء وانتهاك الأعراض وتمزيق الأطفال إلى أشلاء.

 

فقد كتب الله على هذه الأمة الرفعة والسؤدد والتمكين، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.

 

وأنتم يا معاشر المسلمين رجالها وأهلها أروا الله منكم ما يرضيه عنكم، ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ﴾.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

ريان عيسى – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

إدارة الدولة والعلاقات الدولية بمنطق "المافيا"؛ وترامب اليوم هو عَرَّابُها!

 

 

 

عندما تفلس المنظومات الفكرية يترجم إفلاسها فشلا حضاريا وكارثة سياسية، فيأخذ طريقه إلى الدولة ومؤسساتها وسياستها فينعكس على الداخل ومجتمعه والخارج وسياسته الدولية.

 

وما جرى في البيت الأبيض من تلاسن حاد مهين بين الرئيسين الأمريكي ترامب والأوكراني زيلينسكي ينبئ عن حجم كارثة المنظومة الرأسمالية والوضع المخزي الذي وصلت إليه. علما أن ترامب كان قد صرح للصحفيين في وقت سابق، أنه وزيلينسكي سيوقعان الاتفاق الذي اقترحته أمريكا بشأن معادن أوكرانيا، والذي وصفه بأنه اتفاق "عادل للغاية"، وقال إنه يثمّن هذا الاتفاق الخاص بالمعادن "لأننا نحتاج ما يمتلكونه... بلادنا الآن تلقى معاملة عادلة... دافع الضرائب الأمريكي يجب أن يُصان حقه.. كل ما كانوا يتحدثون عنه هو الأمن، أما أنا فقلت دعونا نُبرم صفقة أولاً". كما أن زيلينسكي عبر عن آماله في أن يؤدي اتفاق "مبدئي" مع أمريكا إلى مزيد من الاتفاقات. وكشف رئيس وزرائه دينيس شميهال عن الانتهاء من مسودة اتفاق مبدئي. وكان ترامب قد طالب أوكرانيا بدفع 500 مليار دولار معللا ذلك بأنه المبلغ الذي دفعته أمريكا لمساعدة أوكرانيا في التصدي لروسيا. ويرى أن هذا المبلغ يساوي ثمن المعادن الأوكرانية. وكان زيلينسكي قد أشار إلى أنه في مقابل استمرار الدعم الأمريكي مستعدٌّ لدفع ثمن اقتصادي، بما في ذلك إتاحة مخزونات بلاده من النفط والغاز فضلاً عن المعادن الهامة.

 

ويُعتقد أن أوكرانيا تمتلك ما لا يقل عن 20 من إجمالي 50 معدناً تصنّفها أمريكا بأنها معادن هامة، وهذه المعادن تشمل الليثيوم، والغرافيت، والتيتانيوم، واليورانيوم، ومعادن نادرة تشمل 17 عنصراً تعتبر استراتيجية للصناعات الحساسة مرورا بالتليفونات الخلوية ووصولاً إلى الصناعات الحربية والتكنولوجيا الرقمية. وتقدّر كييف أن نحو 5% من المخزون العالمي للمعادن الخام الهامة يوجد في أوكرانيا، بما في ذلك حوالي 19 مليون طن من احتياطي الغرافيت الذي يُستخدم في صناعة بطاريات المركبات الكهربائية.

 

وهذا ما أسال لعاب الرأسمالي ترامب وطبقته ويسعى للاستحواذ عليه بتكاليف صفرية، فيتعامل مع أوكرانيا كغنيمة حرب، وحقيقة الاتفاق أنه وصفة لاحتلال أوكرانيا. المصيبة أن رئيس أوكرانيا يريد فقط ضمانات لأمن أوكرانيا وغاب عنه أنه حارب روسيا وانتهى به الأمر إلى تسليم أوكرانيا لأمريكا وهي أشرس من روسيا، فقد صرح يوم الأربعاء: "أرغب في الحصول على جُملة واحدة تتضمن عبارة ضمانات أمنية لأوكرانيا". وجاء رد ترامب في اليوم نفسه: "لن أقدّم ضمانات أمنية كبيرة؛ سنترك ذلك لأوروبا فهي في الجوار الأوكراني. لكننا سنحاول الاطمئنان إلى أن كل شيء يمضي على ما يرام". فأسقط رده أوهام زيلينسكي.

 

فترامب مهتم بصفقة المعادن وعائدها الرأسمالي وإنهاء الحرب هو الطريق المختصر لوضع اليد على أوكرانيا ومعادنها النادرة، فبحسب صحيفة الواشنطن بوست فإن "دونالد ترامب وجد طريقة سريعة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، ألا وهي الاستسلام". أما الوضع الكارثي لأوكرانيا وتكاليفه فهي مسؤولية الأوروبيين بحسب ترامب في ضعفهم وهوانهم، بل إنه يعامل تحالفه مع أوروبا باعتباره شيئاً يمكن المساومة عليه بل ويبتز دول أوروبا عبر البعبع الروسي، ويكسر المحرمات التي وضعتها أوروبا من خلال تفاوضه الأحادي واحتضانه روسيا.

 

وهذا الوضع المستجد في إدارة العلاقات الدولية بمنطق الصفقات التجارية وبقوة العصابة المتغلبة، هو نتيجة لإفلاس الفكر والسياسة فلم يبق أمام المنظومة الرأسمالية ونموذجها الأمريكي إلا القوة العارية الغاشمة لتحقيق مآربها. تطرح مع هذا الوضع المأزوم للمنظومة الرأسمالية إشكالية كون أمريكا دولة مؤسسات، وهنا تحديدا لا يجب إغفال العامل الرئيسي المؤثر في هذه المؤسسات وهو المال الرأسمالي السياسي، واليوم وفي أعلى هرم السلطة بأمريكا رأسمالي من أصحاب ذلك المال عطفا على سوس إفلاس المنظومة الذي بات ينخر الدولة ومؤسساتها كذلك، ينظر في أمر المؤسسات بل في أمر الدولة برمتها!

 

فأمريكا ومؤسساتها لسنة 2025 وإفلاسها الفكري والمالي ليست هي أمريكا نيكسون وصدمة نيكسون ودولاره الذي فرضه على العالم كعملة للتجارة والاقتصاد وسلاح سياسي، ففي ستينات القرن الماضي نقل عن نيكسون قوله إن الدولة الأمريكية ماكينة تعمل به أو بدونه. أما اليوم وحالة الانهيار الاقتصادي والمديونية الفلكية والإفلاس الفكري والانقسام الحاد العميق القائم، فالتخبط الاستراتيجي والأزمات الطاحنة للمنظومة الرأسمالية وتناقض مصالح رأسمالييها وما أفرزه من انقسام عميق حاد (فقد اتهم الديمقراطيون في الكونغرس الأمريكي ترامب بإحراج البلاد على المسرح العالمي، وقال السيناتور تشاك شومر زعيم الديمقراطيين بمجلس الشيوخ على موقع إكس: "ترامب وفانس يقومان بعمل بوتين القذر. لن يتوقف الديمقراطيون في مجلس الشيوخ أبداً عن النضال من أجل الحرية والديمقراطية"، كما وصفت رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي المشادة الكلامية بـ "العرض المخزي"). فهذا الوضع الكارثي للمنظومة الرأسمالية ونموذجها الأمريكي الفاضح هو سمة اللحظة الرأسمالية الراهنة، فقد ذهب وزير خارجية أمريكا الأسبق هنري كيسنجر إلى أبعد من ذلك وصرح "أن العالم في حالة فوضى وأن الولايات المتحدة تواجه مشكلة كيفية إنشاء نظام عالمي". كما شكلت الورقة البحثية لمعهد راند لسنة 2017 اعترافا صريحا بإفلاس المنظومة جاءت تحت عنوان "خيارات بديلة للسياسة الأمريكية نحو نظام دولي" وكانت موجهة إلى مكتب وزير الدفاع، وقد أقرت بمحدودية النظام الدولي القائم إن لم تقل ترديه، ولكنها لم تأت بجديد ولم تنشئ جديدا استراتيجيا بل غلب عليها الطابع الأكاديمي النظري، جاء فيها "قضى منهجنا في تحديد رؤى بديلة للنظام جمع حجج قائمة حول كيف قد تكون قواعد النظام المستقبلية أو يجب عليها أن تكون، ولقد استقينا من الدراسات الأكاديمية وتلك المتعلقة بالسياسات الموجودة حول النظام الدولي، إلى جانب التحليل التاريخي للأنظمة الدولية السابقة"، وهكذا لم تخرج الدراسة بحل للمعضلة الاستراتيجية الأمريكية سوى باجترار بعض الدراسات التاريخية الأكاديمية.

 

فترامب وسياسته الرعناء ليس وضعا لإنشاء جديد، ولكنه وضع لمحاولة رقع الثقب الأسود الكارثي للمنظومة الرأسمالية ونموذجها الصارخ الدولة الأمريكية، فترامب إفراز لحالة التعفن الرأسمالي، فنحن أمام رئيس رأسمالي له بصمته الرأسمالية على المنظومة الرأسمالية، ففرق بين السياسي الخاضع للمال الرأسمالي والخادم للرأسمالية، والرأسمالي الرئيس أي حاكم فعلي من الطبقة الرأسمالية بيده أدوات الفعل والتأثير وأهمها المال وشبكته وعلاقاته. والمنظومة اليوم في إفلاسها الفكري انتهت إلى خالص القوة الغاشمة في إدارة العلاقات الدولية وترامب اليوم هو ترجمتها، فخلفيته هي وهم الإمبراطورية وتقمص نظرية أحد مؤرخيها القدامى "الأقوياء يفعلون ما يستطيعون فعله، والضعفاء يعانون مما يجب أن يعانونه".

 

وعليه فمقولة إن أمريكا دولة مؤسسات، يجب التعامل معها بحذر شديد، فالقضية في مدى تماسك تلك المؤسسات وصلابتها وانسجام وتناغم إداراتها ورجالها وبقاء ذلك واستمراره في اللحظة الراهنة. فحالة الرأسمالي ترامب وسياساته لها تداعياتها على المنظومة الرأسمالية والدولة والمؤسسات والموقف الدولي والساحة الدولية.

 

فترامب ينظر للعلاقات الدولية كصفقات تجارية يجب الإسراع في إنجازها بتكاليف صفرية وتفرض أحاديا بمنطق القوة وليس السياسة، فهو يرى في التحالفات وتداعياتها المالية والعسكرية مجرد تكاليف ومصاريف يجب التخلص منها، بل يرى أن القانون الدولي هو باب لتعدد الخصوم وقيد أمام فرض السياسات الأحادية التي يسعى لتنفيذها، وعليه فتجاوز القواعد الدولية وكسر التحالفات هو من صلب سياسته، وتلعب هذه الخلفية دورا كبيرا في تعامل ترامب مع قضايا العالم، فهو مفتون بالغطرسة التي يعتبرها قوة ويزدري التعددية والقانون الدولي والأحلاف ولا يرى فيها إلا عوامل ضعف وإضعاف وفرامل أمام تغوله.

 

وفي غطرسته وعماه الاستراتيجي مقتله، فهو يسعى للتصرف بمنطق الإمبراطورية مع انتفاء شروطها في دولته المفلسة الغارقة في بحر ديونها ومستنقع شذوذها الحضاري، وهذه الغطرسة التي تتصنع القوة مع انتفاء أسبابها تدفع إلى التهور المفضي إلى الهاوية وأمريكا على شفيرها ومعها الغرب ومنظومته الرأسمالية المجرمة.

 

﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

الروح الجماعية والإحساس بالمسؤولية

 

 

من المسائل المهمة والقضايا الجوهرية في الإسلام، مسألة العمل الجماعي، والروح الجماعية عند المسلمين وفي المجتمع الإسلامي. فقد حرص الإسلام على تشكيل الروح الجماعية لدى المسلمين والإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين، على خلاف الفكر الرأسمالي صاحب النزعة الفردية وعدو الروح الجماعية.

 

فتأملوا معي حديث رسول الله ﷺ، القائل: « مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقاً وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعاً» رواه البخاري. فهذا الحديث النبوي أبدع في تجسيد الفكرة من خلال مشهد مصور لا يستطيع من يتصوره إلا أن يسلم بعمق الفكرة وصوابية الحكم. فقد ربط الحديث مصير الفرد بمصير المجتمع الذي يعيش فيه، فهو معهم إما أن ينجوا معا وإما أن يهلكوا معا، على النقيض من الفكر الرأسمالي الذي رسخ الفردانية، حتى شكل قناعة لدى معتنقيه بأن من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه!

 

لذلك ترى المجتمعات الغربية تحدث فيها الجرائم والفواحش أمام العامة ووسط الحشود دون أن يتدخل أحد لنصرة المظلوم أو منع الظالم، فيقتل القاتل ويغتصب الزاني ويسرق السارق والناس من حوله ينظرون وربما يصورون المشهد للذكرى والاستمتاع، وتجد القاتل أو السارق أو الغاصب لا يحسب حسابا سوى للشرطة ورجال الأمن، فلا يكترث بكثرة الناس أو قلتهم من حوله طالما أنه ليس بينهم رجل أمن أو شرطة. فكم من مشهد صورته عدسات الكاميرات وتناقله الآلاف، يصور مشهد امرأة ضعيفة أو طفل أعزل يقتل أو يعذب بدم بارد دون أن يحرك أحد من الناس من حوله ساكنا، فيمرون عنه وكأن شيئا لم يكن. هذا بسبب النظرة الفردانية والفكر الفردي الذي رسخته الرأسمالية في مجتمعات الغرب، حتى باتت لديهم قناعات بأنه لا يحق لأحد التدخل في شؤونه الخاصة، ولا يحق له هو نفسه أن يتدخل في شؤون غيره.

 

أما الإسلام الدين الحنيف، فقد حرص على بناء الروح الجماعية والإحساس بالمسؤولية عن الغير، وفرض على المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حيثما وجد ذلك، وأن يغير المنكر الذي يراه إن استطاع بيده، لا أن يمر عليه مرور الكرام دون أن يحرك ساكنا. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». فهذا الحديث يرسخ الإحساس بالمسؤولية عن الغير، فقد جعل كل فرد في المجتمع مسؤولا عن غيره، وهذه حالة مميزة في العلاقات في المجتمع.

 

وأختم بحديث رسول الله ﷺ الذي أوجب على المسلم أن يتحمل مسؤولية أخيه ظالما أو مظلوما، فلم يترك له مجالا للتخلي عنه إن كان مظلوما أو للتبرؤ منه إن كان ظالما، ليحفر الإحساس بالمسؤولية والروح الجماعية حفرا في أذهان المسلمين. فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِماً أَوْ مَظْلُوماً»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُوماً، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِماً، كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: «تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ».

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس باهر صالح

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

البراغماتية الأمريكية

 

تمثل البراغماتية عصب السياسة الأمريكية، إذ تُنشأ على حساب دقيق للمكاسب والخسائر والتكاليف في التعاطي مع الأزمات الدولية.

 

ربما يبدو ما قام به الرئيس الأمريكي ترامب مع الأزمة الأوكرانية مختلفاً عما كان عليه الأمر في ولاية جو بايدن، الذي كان أكثر تشدداً في تعامله مع الرئيس الروسي بوتين، من خلال رفضه الاعتراف بسيطرة روسيا على الأقاليم الأوكرانية التي احتلتها عام ٢٠١٤، والحقيقة أن كلا الموقفين ينبعان من البراغماتية في السياسة الأمريكية نفسها، التي تجعل الموقف أكثر قدرة على التكيف مع الواقع.

 

وربما بمعنى أدق، إذ كان الغزو الروسي لأوكرانيا قبل ثلاث سنوات قد شكّل تحدياً استراتيجياً لأمريكا، التي تريد من خلاله أن تحقق عدة أهداف، ولربما بعد أن تم تحقيق هذه الأهداف أصبح واقع التفاوض مع روسيا واقعاً يجب التعامل معه.

 

ولربما يدرك صناع القرار في أمريكا أن خسارة روسيا لنفوذها في سوريا بكل أهميته الاستراتيجية في الشرق الأوسط جعلت من حربها مع أوكرانيا مسألة حياة أو موت، وقد تؤدي إلى مزيد من الضغوط عليها وتهديد الاستقرار في أوروبا.

 

وقد يكون، حسب المصلحة الأمريكية، أن الأزمة الأوكرانية في طريقها إلى أن تصبح عبئاً على واشنطن، كل هذا ربما دعا الرئيس ترامب إلى الاستعجال في حل الأزمة الأوكرانية.

 

ربما ينطبق هذا أيضاً على الملف الإيراني، بالاعتبارات ذات الصلة بالصراع في الشرق الأوسط؛ فقد استطاعت أمريكا أن تفكك أذرع إيران في المنطقة، إلا أن مصالحها تقتضي أن تحتفظ طهران بقدر من النفوذ والقوة، كي تبقى مصدر تهديد طائفي ومذهبي لجيرانها، ليستمروا في طلب الحماية وشراء الأسلحة الأمريكية.

 

لذلك تجد أن واشنطن معنية بإعادة ترتيب أولوياتها في بؤر التوتر، وفق منظورها ومصالحها، ولا يهمها حليف أو صديق.

 

إن البراغماتية الأمريكية ليست وليدة اليوم، ولربما يأخذ ترامب هذه البراغماتية إلى طور أكثر فجاجة بمنظوره التجاري للعلاقات الدولية، ولكن يبقى منظوره هذا ممتداً إلى جذوره العميقة في السياسة الأمريكية التي تشكلت على مدار أكثر من قرنين حتى أصبحت حاضرة في سلوك الطبقة الحاكمة في واشنطن.

 

إن أمريكا زعيمة الديمقراطية، والتي جعلت من نفسها راعياً لحقوق الإنسان، وهناك ما تخفيه من دموية مفرطة وعنصرية مقيتة، إنها تحمل الاستعلاء الذي ورثته من حضارتها، وهو يشكل التوجه السياسي والشعبي لها.

 

وإن مؤشرات انكسار حلم التوسع والسيطرة باتت تلمع في الأفق، لكن منطق القوة وسياسة الأمر الواقع، والتموضع في بؤر المجد الوهمي والآلة الإعلامية الجبارة، كل هذا ساهم في اختراع صورة أسطورية لأمريكا، تماماً كما تفعله هوليود.

 

إن هذه العُنْجَهِيَّة والغطرسة التي تتعالى بها أمريكا، والتي لا ترى سواها، فإن سقوطها الحتمي بإذن الله سوف يتحقق على الصعيدين الداخلي والخارجي، إضافة إلى الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها، والتي ستكون بإذن الله نهاية عنجهيتها.

 

ما أَحْوجَ البشرية اليوم لمن ينقذها من هذا التيه والركام، وبما أن الأمة الإسلامية هي خير أمة أُخرِجَت للناس، فقد أصبحت حاجة الإنسانية جميعها إلى أحكامها، حتى ولو أن تلك الأمم أنكرت هذه الحاجة وجحدتها، فإن الأمة الإسلامية كانت وستبقى عبر التاريخ هي المؤهلة لحمل مشعل الحضارة، وهي القادرة على قيادة الإنسانية بشريعة الله لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولن تجد هذه الإنسانية المعذبة بمصائب الحضارة المادية الجشعة وسيلة للخلاص مما تعانيه من بؤس وشقاء إلا بهداية أحكام الإسلام، كيف لا، والله سبحانه وتعالى هو الذي اختارها لهذا الدور المشرف، وجعل من أهم مهماتها إنقاذ البشرية. قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

 

ورغم كل ما تمر به الأمة من محن ومصاعب، إلا أن الأنظار ستظل منصبة عليها؛ فهي التي كانت وما زالت مؤهلة لهذه المهمة، مهمة قيادة البشرية وإنقاذها.

 

وإن الأمة الإسلامية قادرة بإذن الله على إنقاذ نفسها وإعادة مجدها، وهي مطالبة بإنقاذ الإنسانية من عذاباتها، وقادرة على رسم صورة صحيحة من صورة العدالة في العالم أجمع وتطبيقها على أرض الواقع، لا أن تكون مجرد شعارات كما هو حال مؤسسات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان الزائفة؛ فقد عاش غير المسلمين في ظل دولة الإسلام طوال تاريخه الطويل ينعمون بعدل الإسلام.

 

إن واقع الإنسانية اليوم يُلقي على أمتنا عبئاً ثقيلاً، وهو عبء تحرير نفسها ثم النهوض في حضارتها المنبثقة من قيم وأحكام الإسلام، لتتقدم وتحمل راية إنقاذ الإنسانية من كل ما تعانيه من الآثار التي أوجدتها الحضارة الغربية، من طمس القيم الإنسانية والهبوط بالإنسان إلى أدنى درجات الهبوط، وجعله مجرد رقم من الأرقام، يتحكم فيه أصحاب رؤوس الأموال ليوجهوه حيث أرادوا، وإن حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله يدعوكم للعمل معه لإعادة مجد هذه الأمة، للعودة إلى مكانها الصحيح في القيادة والريادة التي اختصها الله تعالى بها، ألا وهي قيادة العالم لإنقاذ الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

العمل الحزبي في الإسلام

 

 

لقد حرص الإسلام على وضع آليات تنفيذ عملية وناجحة لأحكامه التشريعية، فالإسلام ليس طوباويا ولا فلسفة نظرية غير قابلة للتطبيق، بخلاف غيره من المبادئ والأفكار.

 

 

فالاشتراكية مثلا، لامست قلوب المظلومين والمسحوقين في بعض أفكارها ودغدغت مشاعرهم بمثالية ونماذج وردية، ولكنها كانت مستحيلة التطبيق أو التنفيذ، ما دفع المنظرين لفكرها إلى تجاوز الأفكار ومخالفة القناعات لتحقيق تلك الأحلام والغايات، هروبا من الفشل المحتوم.

 

أما الرأسمالية فقد أراحت نفسها في كثير من المواطن من عناء بيان الطريقة وأساليب التنفيذ بأن رسخت البراغماتية وأن الغاية تبرر الوسيلة، لتطلق العنان لعقولهم لابتداع الوسائل والأساليب لتحقيق الغايات، فوقعوا فيما وقعوا فيه من فقدان البوصلة والقيم والمبادئ.

 

أما الإسلام فقد جعل لكل فكرة طريقة، وجعل لكل عمل وغاية ضوابط ومقاييس وقواعد، حتى رسم حياة المسلمين بريشة دقيقة أبدعت في تشكيل المجتمع والأسرة والفرد.

ومن أهم ما شرعه الإسلام فيما يتعلق بالعمل للتغيير والنهوض بالمجتمعات، العمل الحزبي.

 

حيث جعل الإسلام العمل الحزبي طريقا للتغيير والتأثير في المجتمعات والنظم القائمة، وحرص على أن تتكاتف جهود المخلصين والصادقين في كتلة تتمكن من إحداث الصدع وإجبار القائمين على الحكم على الاستجابة لهم.

 

ولذلك كان العمل الحزبي من أخطر الأعمال على الأنظمة والحكام، ولطالما حاربوا فكرة التكتلات المبدئية والانضمام إليها، ونفّروا الناس منها، بأكثر من طريقة؛ بالتخويف والقمع، وتعريض الناس للاعتقال والملاحقة والتضييق، وبالتنفير منها من خلال تسخير مجموعات وعلماء ألبسوا على الناس دينهم وحرفوا أحكام ربهم، حتى وصلت بهم الجرأة إلى القول بأن لا حزبية في الإسلام، وحرموا العمل الحزبي وجعلوه جريمة، واستحضروا أدلة لا علاقة لها بالحزبية أو العمل الجماعي في هذا السياق ليدلسوا على الناس وينفروهم من العمل الجماعي والانتماء للأحزاب.

 

وكذلك عملوا على محاربة العمل الحزبي الجاد بالإلهاء والنماذج السيئة، فاصطنعوا للمسلمين جماعات تتلهى بقضايا إما تافهة ولا تمت للتغيير الحقيقي بصلة، وإما فاسدة بغية حرف المنتمين لها عن الحق ومسار التغيير المنشود. واستقطبوا لها أفرادا وشخصيات وصنعوا منها أيقونات وقامات لتصبح محط أنظار العوام وإعجاب البسطاء، لحرفهم عن الأحزاب المبدئية الجادة المصلِحَة.

 

وكذلك عملوا على إفشال نماذج من الأحزاب والحركات، بعد نفخها وتعظيم شأنها، حتى يوصلوا الأمة إلى اليأس من الجماعات والأحزاب والقناعة بعبثية العمل الحزبي.

 

وما كل ذلك إلا لأنهم لا يريدون للأمة أن تلتف حول الأحزاب المبدئية وتتمسك بخيار العمل الحزبي الجاد القادر على تغيير الأحوال وقلب الأنظمة.

 

ويكفينا في هذا المقام لتعزيز القناعة بوجوب العمل الحزبي وأهميته أمران:

 

الأول: قول الله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، فهذه الآية الكريمة أوجبت على الأمة أن تنشئ حزبا أو أحزابا تدعو إلى الخير، أي إلى الإسلام، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ودلت على جواز تعدد الأحزاب.

 

أما الأمر الثاني: فهو سيرة المصطفى ﷺ، فقد كان ﷺ أميرا لتكتل الصحابة رضوان الله عليهم في مكة المكرمة، ومن خلال عمله الجماعي مع أفراد كتلته تمكن من تغيير النظام الجاهلي وإقامة دولة الإسلام، فهو ﷺ لم يكن يعمل بشكل فردي وإنما عمل بتكتل من الصحابة رضوان الله عليهم. وصدق الله القائل: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس باهر صالح

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

حيّ على الفلاح

 

الفلاح عند الكثيرين هو أن يصيب المرء أكبر نصيب من الملذّات في هذه الدّنيا فيجمع الثّروة الطّائلة ويشغل المناصب العليا ويعيش في ثراء وبذخ ويحقّق النّجاحات المتعدّدة في دراسته وعمله وحياته المهنية والأسريّة...

 

ويعود هذا الفهم القاصر والخاطئ إلى ما تشوّهت واختلطت به مفاهيم المسلمين من الثّقافة الغربيّة التي غزت بلاد المسلمين واجتثّت صفاء أفكارهم التي كانت لا تنبثق إلّا عن عقيدتهم السمحة التي لا تشوبها شائبة، فهي التي ارتضاها سبحانه لعباده وهي من لدن الحكيم الخبير.

 

يقول سبحانه وتعالى في أوائل سورة البقرة: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

 

يقول ابن عباس في تفسير ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾: الذين أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شرّ ما منه هربوا. "وما طلبوا" معناه رضوان الله والجنّة، "وما منه هربوا" معناه غضب الله وجهنّم، والعياذ بالله.

 

تتكرّر على مسامعنا كلمة الفلاح خمس مرات حين ينادي المؤذّن للصلوات المفروضة "حيّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح" فما المقصود بها؟

 

قال النّووي في شرح صحيح مسلم: حيّ على الصّلاة معناه تعالوا إلى الصّلاة وأقبلوا إليها، ومعنى حيّ على الفلاح هلمّ إلى الفوز والنّجاة، وقيل إلى البقاء أي أقبلوا على سبب البقاء في الجنّة.

 

فالفلاح هو الجزاء لكلّ من سار على هدى الله ولم يحد عن الدّرب الذي رسمه الله لعباده، هو جزاء كلّ من جعل همّه وغايته في هذه الدّنيا رضوان الله والفوز بجنّته.

 

هو مفهوم آخر نقيّ نتعلّمه ونستعيض به عن المفهوم الخاطئ لمعنى الفلاح وندرك أنّ الفلاح هو أن نستحضر دوما معيّة الله ونربط أهدافنا وغاياتنا في هذه الدّنيا برضوانه فنرضى بكلّ ما يقضيه من ابتلاءات ومن عطاء وتمكين، فالكلّ خير ما دمنا نسير في الطّريق الذي ارتضاه لنا وما دمنا على يقين بوعده بالتّمكين لدينه. نأمل في عطائه لنا في هذه الدّنيا، وخير من الدّنيا وما فيها عطاؤه لنا في الآخرة "جنّة عرضها السّماوات والأرض".

 

إنّ الفلاح كلّ الفلاح هو الصّدق مع الله في كلّ ما أمر به ونهى عنه، وأعلى مراتبه هو حمل هذه الدّعوة المباركة وحمل همها والذّود عنها أمام الهجمات الشّرسة التي يوجّهها لها أعداؤها الذين يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلّا أن يتمّ نوره، فهو المعزّ النّاصر وهو القويّ العليّ. نصدق الله في كلّ أعمالنا ومواقفنا ومواقعنا ونلتفّ حول هذه الدّعوة، نسعى لإعلائها ورفع رايتها، نسير في ركب العاملين كالبنيان المرصوص يشدّ بعضنا بعضا حتّى يتمّ الله وعده. قال رسول الله ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى». فقد حرص الإسلام على بناء روح الجماعة فكان ذلك مسؤوليّة الفرد والجماعة والدّولة. وكلّ مسلم على ثغرة من ثغور هذا الدّين يسدّها بكلّ ما أوتي من قوّة.

 

إنّ أهمّ ما ميّز أمّة الإسلام هو أنّها أمّة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، لهذا فعلى كلّ من ينتسب إليها أن يسارع ويترك كلّ الأعذار ويحذر من هوى نفسه التي تدفعه إلى التقصير والتّخاذل... عليه أن يعمل بهمّة عالية ونشاط دائم ليفوز برضوان ربّه ويكون من زمرة المفلحين.

 

رغم ما نلحظه من واقع مرير تعيشه أمّة الإسلام وما يتمتّع به أعداء الإسلام من تمكين من رقاب المسلمين وأراضيهم واستباحة لدمائهم وأعراضهم فإنّ ما يطمئن النّفوس ويثبّت القلوب هو أنّ المسلم المفلح قد ربط سعادته برضوان ربّه وبالفوز بجنّته ولم يقصرها على التّمكين في هذه الأرض أو النّصر. فمن رضي الله عنه لا يهمّه ما يلقى من مصائب ومصاعب ومتاعب ولا يكترث لأعداء ولا لجبابرة ما دام هو على الحقّ يسير على هدى ربّه.

 

ولست أبالي حين أُقتَل مسلما *** على أي جنب كان في الله مصرعي

 

ما من مسلم إلّا ويتوق لرؤية راية الإسلام ترفرف عاليا وقد مكّن الله للمسلمين وأعزّهم ونصرهم، ولكن على الرّغم ممّا في ذلك من سعادة فإنّها لا تقارن بالسّعادة العظمى التي ينشدها كلّ مسلم وهي الفوز بما عند الله في الآخرة فهو خير وأبقى، وأمّا ما في الدّنيا فهو في مرتبة أقلّ. فالفلاح كلّ الفلاح يوم القيامة يوم ينادي الله عباده ويقول ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ﴾. ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً﴾.

 

فلتكن أعلى درجات أولويّتنا أن نسعد بلقاء الله وهو راض عنّا وقد عملنا بما أمر وانتهينا عما زجر وبذلنا جهدنا لإعلاء كلمة دينه. نصدقه في كلّ أفعالنا وأمورنا حتّى نكون من عباده المؤمنين الصّادقين ويكتبنا بإذنه من المفلحين. فحيّ على الفلاح ولنسارع للفوز بالجنّة ﴿سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾.

 

 اللهمّ اشهد أنّنا نعمل على أن نكون منهم فلا تحرمنا واجعلنا منهم.

 

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلاميّ المركزيّ لحزب التّحرير

 

زينة الصّامت

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

قبسات من تفسير قول الله تعالى:

﴿هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ﴾

 

يذكر الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى في تفسيره قول الله تعالى: ‌﴿هُدىً ‌لِلنَّاسِ ‌وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ﴾، يقول: هما حَالَانِ مِنَ (الْقُرْآنِ) إِشَارَةً بِهِمَا إِلَى وَجْهِ تَفْضِيلِ الشَّهْرِ بِسَبَبِ مَا نَزَلَ فِيهِ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ.

 

ثم يقول: وَالْمُرَادُ بِالْهُدَى الْأَوَّلِ: مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْإِرْشَادِ إِلَى الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ الَّتِي لَا تُنَافِي الْعَامَّةَ، وَبِالْبَيِّنَاتِ مِنَ الْهُدَى: مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْهُدَى الْخَفِيِّ الَّذِي يُنْكِرُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِثْلَ أَدِلَّةِ التَّوْحِيدِ وَصِدْقِ الرَّسُولِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحُجَجِ الْقُرْآنِيَّةِ. وَالْفُرْقَانُ مَصْدَرُ فَرَقَ وَقَدْ شَاعَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ أَيْ إِعْلَانِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْحَقِّ الَّذِي جَاءَهُمْ مِنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْبَاطِلِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَالْمُرَادُ بِالْهُدَى الْأَوَّلِ: ضَرْبٌ مِنَ الْهُدَى غَيْرُ الْمُرَادِ مِنَ الْهُدَى الثَّانِي، فَلَا تِكْرَارَ.

 

كما جاء في زهرة التفسير للإمام أبي زُهرة رحمه الله تعالى قوله: وإن اختصاص شهر رمضان بالصوم؛ لأنه نزل فيه القرآن فيه تذكير بمبدأ الوحي، واحتفال بأكبر خير نزل في الأرض وهو بعث النبي ﷺ، فإنه نور الأرض وإشراقها، والاحتفال به احتفال بنعمة الهداية، ونعمة الخروج من الظلمات إلى النور، ونعمة إرسال نبي الرحمة، فقد قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.

 

ولقد ذكر الإمام الرازي في تفسيره الكبير ما خلاصته: إنه في شهر رمضان نزلت هداية الله تعالى من السماء إلى الأرض فناسب ذلك أن يفرض فيه الصوم؛ لأن الصوم فبما فيه من إمساك عن شهوتي البطن والفرج، وفيه علو من الأرض إلى السماء بالتجرد الروحي الذي كان في الصوم، ولقد قال النبي ﷺ في هذا الشهر الذي هو احتفال بذكرى البعث المحمدي: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَرَضَ عَلَيْكُمْ صِيَامَ رَمَضَانَ، وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ، فَمَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».

 

وقد وصف الله تعالى القرآن بأنه هدى للناس، فقال: ﴿هُدًى لِّلنَّاسِ﴾ أي حال كونه هاديا للناس؛ لأنه يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، وهو معجزة الله تعالى الكبرى وهو بهذا هداية وتوجيه إلى مقام الرسالة المحمدية، وهو مع ذلك فيه آياته البينات؛ ولذا قال تعالى: ﴿وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى﴾ أي أن آياته بينات واضحة من الهدى وهو الشريعة التي جاء بها، والفرقان أي الأمر الفارق بين الحق والباطل، والظلم والعدل، والشورى والاستبداد، والإصلاح والإفساد، وعمران الأرض وخرابها.

 

ويعقّب الشيخ الشعراوي بكلام نفيس في تفسيره هذه الآية، فيقول رحمه الله تعالى: "ويقول الحق: ﴿أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ﴾. ونعرف أن كلمة ﴿هُدًى﴾ معناها: الشيء الموصل للغاية بأقصر طريق، فحين تضع إشارات في الطريق الملتبسة، فمعنى ذلك أننا نريد للسالك أن يصل إلى الطريق بأيسر جهد، و"هدى" تدل على علامات لنهتدي بها يضعها الخالق سبحانه، لأنه لو تركها للخلق ليضعوها لاختلفت الأهواء، وعلى فرض أننا سنسلم بأنهم لا هوى لهم ويلتمسون الحق، وعقولهم ناضجة، سنسلم بكل ذلك، ونتركهم كي يضعوا المعالم، ونتساءل: وماذا عن الذي يضع تلك العلامات، وبماذا يهتدي؟ إذن فلا بد أن يوجد له هدى من قبل أن يكون له عقل يفكر به، كما أن الذي يضع هذا الهدى لا بد ألا ينتفع به، وعلى ذلك فالله سبحانه أغنى الأغنياء عن الخلق ولن ينتفع بأي شيء من العباد، أما البشر فلو وضعوا "هدى" فالواضع سينتفع به، ورأينا ذلك رأى العين؛ فالذي يريد أن يأخذ مال الأغنياء ويغتني يخترع المبدأ الشيوعي، والذي يريد أن يمتص عرق الغير يضع المبدأ الرأسمالي، ومبادئ نابعة من الهوى، ولا يمكن أن يُبرئ أحد من فلاسفة المبادئ نفسه من الهوى: الرأسمالي يقنن فيميل لهوى نفسه، والشيوعي يميل لنفسه، ونحن نريد مَن يُشرع لنا دون أن ينتفع بما شرع، ولا يوجد من تتطابق معه هذه المواصفات إلا الحق سبحانه وتعالى فهو الذي يشرع فقط، وهو الذي يشرع لفائدة الخلق فقط.

 

والذي يدلك على ذلك أنك تجد تشريعات البشر تأتي لتنقض تشريعات أخرى، لأن البشر على فرض أنهم عالمون فقد يغيب عنهم أشياء كثيرة، برغم أن الذي يضع التشريع يحاول أن يضع أمامه كل التصورات المستقبلية، ولذلك نجد التعديلات تجرى دائما على التشريعات البشرية؛ لأن المشرع غاب عنه وقت التشريع حكم لم يكن في باله، وأحداث الحياة جاءت فلفتته إليه، فيقول: التشريع فيه نقص ولم يعد ملائماً، ونعدله.

 

إذن فنحن نريد في من يضع الهدى والمنهج الذي يسير عليه الناس بجانب عدم الانتفاع بالمنهج لا بد أيضا أن يكون عالما بكل الجزئيات التي قد يأتي بها المستقبل، وهذا لا يتأتى إلا في إله عليم حكيم، ولذلك قال تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾، ستتبعون السبل، هذا له هوى، وهذا له هوى، فتوجد القوانين الوضعية التي تبددنا كلنا في الأرض، لأننا نتبع أهواءنا التي تتغير ولا نتبع منهج من ليس له نفع في هذه المسألة، ولذلك أقول: افطنوا جيداً إلى أن الهدى الحق الذي لا أعترض عليه هو هدى الله، ﴿هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾. والقرآن في جملته "هدى" والفرقان هو أن يضع فارقاً في أمور يلتبس فيها الحق بالباطل، فيأتي التنزيل الحكيم ليفرق بين الحق والباطل". انتهى كلام الشعراوي.

 

تكشف لنا هذه المفاهيم المستنبطة من هذه الآية الكريمة المكانة الرفيعة التي يحظى بها شهر رمضان كونه الشهر الذي نزل فيه القرآن العظيم، هدى للناس ودليلاً لهم لما يُحييهم الحياة الطيّبة، حتّى إنّ الله عزّ وجل جعله شهراً مُختصّاً بعبادة هي رُكن من أركان الإسلام، ألا وهي الصوم، وكأنّ الله تعالى فرض علينا هذه العبادة شكراً له على ما أنعم علينا من الهداية إلى ما فيه صلاح الدنيا والدين والدار الآخرة، وهذا ما تشير إليه آخر الآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.

 

وبعد هذا البيان يظهر لنا مدى تقصير كثير من المسلمين وقصور فهمهم للحكمة من نزول القرآن الكريم، حيث يقتصرون على حفظه وتلاوته وتحبيره، غير آبهين لتعطيل أحكامه في الدولة والمجتمع، وغير عاملين لاستئناف الحياة الإسلامية التي تجعل القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة مصدر التشريع، ودستور الهداية والفلاح، فلا خير في أمّةٍ هجرت كتاب ربّها، واستبدلت أحكام البشر الوضعية به. ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ﴾.

 

ولأجل تلك الغاية السامية قام حزب التحرير، يستنهض هِمم المخلصين، ويبثّ الوعي في أبناء الأمّة التي غُيّب عنها نظام حُكمها الذي ارتضاه الله لها كما غُيّبت عنها الكثير من المفاهيم الإسلامية، وأصبح كثير من أبنائها يهتمون بالقشور عن البذور، وينشغلون بالفرع عن الأصل، فضاعوا وضاعت كلمتهم بين الأمم.

 

فحريٌّ بالمسلم وهو يتلو آيات الصيام أنْ يُدرِك الحكمة من فرض الصيام في شهر نزول القرآن الكريم، والإشارات القرآنية التي وردت في آيات الصيام، وأنْ تبعث فيه الهمّة للعمل مع الثلّة المُخلصة التي تهدف إلى استئناف الحياة الإسلامية لتتحقق الهداية لأمّة الإسلام بهُدى القرآن، وتعود خير أمّة أخرجت للناس.

 

﴿إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

بلال زكريا

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

كيف نكون من المفلحين في الدنيا والآخرة؟

 

 

قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْـزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾

 

جاء في تفسير الطبري رحمه الله: فالذين صدَّقوا بالنبيّ الأميّ، وأقرُّوا بنبوّته ووقَّروه وعظموه وحَمَوه وأعانوه على أعداء الله وأعدائه بجهادهم ونصب الحرب لهم واتبعوا القرآن والإسلام "الذين يفعلون هذه الأفعال التي وصف بها جلّ ثناؤه أتباع محمد ﷺ، هم المنجحون المدرِكون ما طلبُوا ورجَوْا بفعلهم ذلك".

 

لقد جعل الله عزّ وجلّ الفلاح في هذه الآية وآيات أخرى كثيرة مرتبطا بالإيمان والعمل الصالح والقيام بما أمر الله واجتناب ما نهى عنه فقال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾. وقال: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. وقال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ وقال: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

 

وبالتالي فطريق الفلاح قد سطره الله لنا تسطيرا وجعله جليّا واضحا وجعل زاده التزام أوامره تعالى وفعل ما يطلبه واجتناب الحرام والبعد عمّا يغضبه.

 

إنّ الفلاح ليشمل الدنيا والآخرة فمن يتقي الله يجعل له من أمره يسرا ويبارك له في أعماله ويصلح له في نفسه وزوجه وأولاده، ويجعل له مخرجا عند العثرات، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ويكون الله حسبه ويُعظم له الأجر والثواب بصبره على الشدائد. وقد قال بعضهم: "الفلاح هو الظفر وإدراك البغية فالدنيويّ هو إدراك السعادة التي تطيب بها الحياة، والأخرويّ أربعة أشياء: بقاء بلا فناء وعزّ بلا ذلّ وغنى بلا فقر وعلم بلا جهل"

 

فكان لزاما على من يطلب الفلاح في الدنيا على جميع المستويات أن يعيَ أنّ مفتاحه طاعة الله وحده والتزام شرعه والتي تؤدي بدورها إلى الفوز في الآخرة، وأنّ لا سبيل آخر لذلك بل هو سبيل واحد أمرنا الله به ﴿وأنّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾.

 

وعلى الواحد منّا أيضا أن ينتبه لأمور قد تعيقه عن هذا الدرب فقلّة السالكين له لا تضرّه ما دام قد اهتدى وأدرك أنّه درب النجاة الوحيد، وقد نبهنا الله تعالى لذلك فقال: ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ﴾.

 

كذلك أصبح المسلم الساعي لمرضاة الله وتحقيق الفلاح في هذا العصر غريبا غربة كبيرة لبعد مقاييسه عن مقاييس مجتمعه واختلاف مفاهيمه عن المفاهيم التي يحملها الناس حوله، فمن لم يشتّد عوده ويكون شخصية إسلامية قويّة ومتوازنة فسيتأثر لا محالة بالسائد وبالمتفشي حوله، فكان المانع من ذلك كله استحضار المسلم الدائم لمفاهيم الإسلام ومقاييسه والسعي الدائم لجعلها قوية مؤثرة في عقليته ونفسيته، ووزن كل الأفكار والأمور المتفشية في المجتمع بمقاييس الإسلام وتوجيه البوصلة إلى وجهتها الصحيحة فيحفظ نفسه من أن تشوب أفكاره وميوله شوائب بغير علم، ويسعى دائما في درب الارتقاء بنفسه وتهذيبها!

 

وليحذر الواحد منّا أيضا أن تردّه عن طريق الفلاح شهوات آنية وزلات شيطانية فيترك فلاحه الأبدي لأجل لذّات فانية، وهذه هي فخاخ إبليس التي يحاول إيقاع عباد الله فيها، فسبيل النجاة منها هو الاعتصام بالله والإخلاص له وأن يكون المرء أوّابا إذا أذنب أسرع بالتوبة والاستغفار ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ﴾.

 

إنّ وصول المسلم إلى غايته وهي نوال رضوان الله وأن يكون من المفلحين ليس بالأمر السهل فقد حفّت الجنّة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات، فلا بدّ أن يكون حاضرا في ذهنه أنّ عليه أن يضحّي وأن يترك أموراً كثيرة ولو كانت مباحة لوجه الله، وأن يبذل حتّى نفسه رخيصة في سبيل الله، فإن وعى ذلك كانت الدنيا هيّنة عليه ولم ينغمس فيها انغماس عامة النّاس ولم يخلد إلى الأرض بل كان متعلقا بالحياة الدائمة والعيش الآخر.

 

فاللهمّ اجعلنا من المفلحين في الدنيا والآخرة واجعل الدنيا آخر همّنا واجعلنا نلقاك وأنت راض عنّا يا أرحم الراحمين.

 

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

منّة الله طاهر

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

وحدة الأمة مسألة مصيرية

 

إن الحديث عن الإسلام يعني الحديث عن نظام وحدة بالضرورة، فالإسلام لم يجعل مسألة وحدة المسلمين مسألة اختيارية ترجع إلى الظروف والزمان والمكان، بل أوجبها على الأمة وعلى الحكام وجعلها شكل نظام الحكم الإسلامي الوحيد. فنظام الحكم في الإسلام هو نظام وحدة، ولذلك غلظ الإسلام عقوبة من يحاول تفريق الأمة أو تقسيمها.

 

فقول رسول الله ﷺ: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا»، أباح دم المسلم الذي يفرق الأمة من خلال تنصيبه خليفة ثانيا للأمة تنقسم به الأمة بينه وبين الأول. ومثله حديث: «إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِناً مَنْ كَانَ»، الذي جعل عقوبة ضرب العنق لمن يريد أن يفرق الأمة ولم يرتدع إلا بالسيف. ومثله حديث: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ» وهو أيضا شديد الوضوح في وجوب التصدي لكل محاولة من شأنها تفريق جماعة المسلمين أو شق عصاهم.

 

لذلك كانت مسألة وحدة الأمة هي من المسائل الحساسة والحيوية التي لا تحتمل التساهل فيها أو التهاون.

 

فجرم الحكام هذه الأيام الذين فرقوا الأمة إلى أكثر من خمسين دولة جرم عظيم وليس بسيطا أو هينا.

 

ونحن عندما نتحدث عن وجوب توحد الأمة تحت ظل خليفة وفي دولة واحدة نتحدث بكل ثقة وقناعة بحكم الله الواجب التطبيق والقابل للتنفيذ. لكن تطبيقه وتنفيذه لا يتصور في ظل بقاء الحكام الحاليين الذين قسموا الأمة وحرصوا على جعلها دولا وحظائر، ووضعوا لكل منها علما وحدودا ودستورا، ليتأكدوا من الحيلولة دون وحدة الأمة من جديد.

 

لذلك كان الحديث عن توحيد الأمة يعني بالضرورة حديثا عن إزالة الحكام وخلعهم عن عروشهم وتنصيب خليفة واحد مكانهم. فالحكام والأنظمة المدعومون من الغرب هم الصخرة الكأداء أمام وحدة الأمة وعزتها.

 

ولقد شاهدنا بأم أعيننا ما حل بنا جراء حالة الفرقة التي اصطنعها الاستعمار وحافظ عليها الحكام في بلادنا، فذبحت غزة من الوريد إلى الوريد ولم تقو الأمة على نصرتها بسبب حالة الفرقة التي أوجدها الحكام والغرب.

 

ومن قبل غزيت العراق وأفغانستان والشيشان وألبانيا، ولم تتمكن الأمة من نصرتها أو نجدتها بسبب حالة الفرقة التي تحياها، فتمكن الاستعمار من التفرد ببلادنا واحدة تلو الأخرى والأمة تشاهد ذلك وتبكي دون حراك. في حين لم يحدث في تاريخ الأمة أن هزمت وهي متحدة.

 

لذلك كانت مسألة وحدة الأمة مسألة حيوية ومصيرية وليست هامشية أو عرضية، فوحدتها هي التي تجعلها قوية مهابة، وبها تجتمع قدراتها في سلة واحدة، فتصبح عصية على الانكسار أو الهزيمة، فتطوي الأرض تحت أقدامها وتجوب البلاد فتحا وسيادة.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس باهر صالح

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

القرآن الكريم معجزة لغوية تثبت صدق رسالة النبي محمد ﷺ

 

(مترجم)

 

مقدمة: المعجزة اللغوية الفريدة للقرآن الكريم

 

إن الجذر اللغوي لكلمة إعجاز يعود إلى المصدر "عَجِزَ" بمعنى عدم القدرة. والإعجاز هو الدليل المؤكد على صدق الرسالة، وعند تطبيق مفهوم الإعجاز على القرآن الكريم نجد الإعجاز اللغوي والتفرّد في التراكيب والأسلوب، بحيث يعجز البشر عن مضاهاته أو الإتيان بمثله، ليكون حجة على صدق رسالة خاتم النبيين محمد ﷺ، وقد تحدّى الله الناس بالقرآن ووجّه هذا التحدي إلى أعظم شعراء العرب المعروفين بالفصاحة والإتقان للغة العربية، تحدياً مفتوحاً حتى قيام الساعة.

 

سنّة الله سبحانه وتعالى في إثبات صدق رسالات أنبيائه

 

من سنن الله سبحانه وتعالى في هذا الكون أن يُثبت صدق الرسالة التي يبلغها رسله عليهم السلام عنه سبحانه وتعالى، فكانت المعجزات هي طريقة إثبات صدق النبوة، وكانت المعجزات ملائمة للأقوام التي ينزل عليها الوحي. ذكر الإمام الباقلاني رحمه الله في كتابه إعجاز القرآن: "فقد أيّد الله جل جلاله موسى عليه السلام وكان عصره عصر سحر بفلق البحر، وانقلاب العصا حية تسعى، وانبجاس الحجر الصلد بعيون الماء الرواء، وأيّد عيسى عليه السلام وكان عهده عهد طب بإبراء الأكمه والأبرص وخلق الطير من الطين، وإحياء الموتى بإذنه".

 

لذلك نرى كيف أن الله سبحانه وتعالى عندما أرسل موسى عليه السلام في عصر أجاد فيه الناسُ السحرَ وأتقنوه على أكمل وجه، أيّده بمعجزات لم يتمكن حتى أبرز السحرة وقتها من مجاراته فيها، ليسجد أعظم السحرة معلنين إيمانهم بدين موسى عليه السلام. بالمثل عندما أرسل الله سبحانه عيسى عليه السلام في عصر تفوق فيه الناس في الطب، أيّده بمعجزة إحياء الموتى وشفاء المرضى، فكان هذا تحدياً لم يستطع أمهر أطباء بني إسرائيل الفوز فيه، فأيقن الناس حينها صدق رسالته عليه السلام.

 

إعجاز القرآن اللغوي ثبت صدق رسالة النبي محمد

 

بالنسبة لخاتم النبين، سيدنا محمد ﷺ، فقد بُعث إلى قومٍ برعوا في اللغة العربية وأتقنوها أيّما إتقان، فأيّده الله بمعجزة القرآن الكريم، المعجزة اللغوية التي لا يمكن لبشر محاكاتها، وعلى عكس المعجزات الأخرى التي ثبتت في القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة للنبي ﷺ، كان القرآن الكريم معجزة خالدة إلى يوم القيامة، تتحدى الناس على مر الأزمنة والعصور، يقول الإمام الباقلاني: "ولما أرسل رسوله محمدا ﷺ إلى الناس أجمعين، وجعله خاتم النبيين - أيده بمعجزات حسية كمعجزات من سبقه من المرسلين، وخصه بمعجزة عقلية خالدة، وهى إنزال القرآن الكريم، الذى لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لم يستطيعوا ولم يقاربوا، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً".

 

لقد كانت المعجزة اللغوية للقرآن الكريم مناسبة تماماً للمجتمع الذي نزل فيه، وقد شرح الإمام الباقلاني عجز العرب أمام تحدي القرآن الكريم رغم براعتهم اللغوية، حيث قال: "وكان ذلك في زمان سما فيه شأن البيان، وجلت مكانته في صدور أهله، وعرفوا باللسن والفصاحة، وقوة العارضة في الإعراب عن خوالج النفوس، والإبانة عن مشاعر القلوب، وظلّ رسول الله صلوات الله عليه، يتحداهم بما كانوا يعتقدون في أنفسهم القدرة عليه، والتمكن منه، ولم يزل يقرعهم ويعجزهم، ويكشف عن نقصهم، حتى استكانوا وذلوا". زِد على ذلك أن العرب كانوا منشغلين بشدة في إتقان اللغة العربية لدرجة أنهم لم يتقنوا الكثير من الأمور الأخرى.

 

من حكمة الله سبحانه وتعالى أن معجزة خاتم النبين محمد ﷺ معجزة باقية بين أيدي الناس بعد وفاته ﷺ، وفي خصوصية معجزة القرآن، يقول ابن خلدون رحمه الله في مُقدّمته: "فاعلم أن أعظم المعجزات وأشرفها وأوضحها دلالة القرآن الكريم المنزل على نبينا محمد فإن الخوارق في الغالب تقع مغايرة للوحي الذي يتلقاه النبي ويأتي بالمعجزة شاهدة بصدقه والقرآن هو بنفسه الوحي المدعى وهو الخارق المعجز فشاهده في عينه ولا يفتقر إلى دليل مغاير له كسائر المعجزات مع الوحي فهو أوضح دلالة لاتحاد الدليل والمدلول فيه وهذا معنى قوله «مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْياً أَوْحَى اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يشير إلى أن المعجزة متى كانت بهذه المثابة في الوضوح وقوة الدلالة وهو كونها نفس لوحي كان الصدق لها أكثر لوضوحها فكثر المصدق والمؤمن وهو التابع والأمة".

 

تحدي القرآن الكريم لأمهر اللغويين العرب:

 

تحدّى الله سبحانه وتعالى العرب بأن يأتوا بمثل القرآن الكريم، ثم خفف الله عز وجل التحدي، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور فقط، ثم بسورة واحدة، وهي أقصر سورة في القرآن الكريم، وتتكون من ثلاث آيات فقط، وقد لخص العالم الشهير السيوطي في كتابه (الإتقان في علوم القرآن) تاريخ هذا التحدي في قوله: "وَلَمَّا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ إِلَيْهِمْ وَكَانُوا أَفْصَحَ الْفُصَحَاءِ ومصاقع الْخُطَبَاءِ وَتَحَدَّاهُمْ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ وَأَمْهَلَهُمْ طُولَ السِّنِينَ فَلَمْ يَقْدِرُوا كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ ثُمَّ تَحَدَّاهُمْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ﴾ ثُمَّ تَحَدَّاهُمْ بِسُورَةٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ﴾ الْآيَةَ ثُمَّ كَرَّرَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ﴾ الْآيَةَ فَلَمَّا عَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَتِهِ وَالْإِتْيَانِ بِسُورَةٍ تشبهه على كثرة الخطباء فيهم وَالْبُلَغَاءِ نَادَى عَلَيْهِمْ بِإِظْهَارِ الْعَجْزِ وَإِعْجَازِ الْقُرْآنِ فَقَالَ: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾".

 

فشل ضليعي اللغة العربية في زمن النبي محمد

 

رغم وجود الكثير من اللغويين المهرة في زمن النبي محمد ﷺ، سواء في الشعر أو النثر، إلا أنهم فشلوا أمام تحدي القرآن الكريم ولم يستطيعوا مجابهته، وقد ذكر الإمام الباقلاني: "وقد أدهش القرآن العرب لما سمعوه، وحيّر ألبابَهم وعقولهم بسحر بيانه، وروعة معانيه، ودقة ائتلاف ألفاظه ومبانيه، فمنهم من آمن به ومنهم من كفر، وافترقت كلمة الكافرين على وصفه، وتباينت في نعته، فقال بعضهم، هو شعر، وقال فريق: إنه سحر، وزعمت طائفة أنه أساطير الأولين اكتتبها محمد، فهي تملى عليه بكرة وأصيلا، وذهب قوم أنه إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون. وقال غير هؤلاء وهؤلاء: لو نشاء لقلنا مثل هذا".

 

عندما كان العرب يستمعون إلى القرآن الكريم، كانوا يُغمرون بهيبته البلاغية العظيمة، حتى إن سيد اللغة العربية الوليد بن المغيرة عندما استمع إلى النبي ﷺ وهو يتلو القرآن، قال: "والله ما منكم رجل أعرف بالأشعار مني ولا أعلم برجزه وقصيده مني والله ما يشبه الذي يقوله شيئاً من هذا، والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه لمورق أعلاه مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه"، وقد جاء اعترافه هذا رغم استمراره في كفره كبراً وعناداً.

 

ومن الجدير بالذكر أن أعظم علماء اللغة العربية في تاريخ البشرية جمعاء عاشوا في زمن النبي محمد ﷺ، ومع ذلك لم يتمكن أحد منهم من أن يأتي بمثل سورة واحدة من سور القرآن، بل إن أكثرهم علماً لم يحاول حتى ذلك.

 

الأسلوب المعجز للقرآن الكريم:

 

في كتابه (إعجاز القرآن) قال الإمام البلقاني رحمه الله: "تأليف القرآن البديع، ووصفه الغريب، ونظمه العجيب"، وقال الإمام الخطابي رحمه الله في كتابه (بيان إعجاز القرآن): "اعلم أن القرآن إنما صار معجزاً لأَنه جاءَ بأَفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف مضمناً أصح المعاني"، ووصف الإمام السيوطي رحمه الله القرآنَ في كتابه (الإتقان في علوم القرآن) قائلاً: "وَبَلَاغَةِ أُسْلُوبٍ تَبْهَرُ الْعُقُولَ وَتَسْلُبُ الْقُلُوبَ وَإِعْجَازُ نَظْمٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ".

 

إن ألفاظ القرآن وأسلوبه والمرامي المتضمنة في الآيات تأسر مشاعر الإنسان بالكامل، ويتجلى إعجازه بأوضح صورة في فصاحته وبلاغته العالية بشكل يجعله في قمة الفصاحة والبيان. يُقال عن الفصاحة "سلامة الألفاظ من اللَّحْن والإبهام وسوءِ التأَليف"، ويُقال عن علم البلاغة "عِلْمُ الْمَعانِي والبَيانِ والبَديعِ"، بينما يشمل علم المعاني على المعاني المتضمَّنة في الكلمات بشكل يتيح اختيار البنية اللغوية التي تصوّر المفهوم بأنسب الطرق وأكثرها ملاءمة للمعنى المُراد، ويتعلق علم البيان بالمبادئ المرتبطة بمقاصد الجُمل بحيث تُناسب الألفاظ المستمع حسب ظروفه، أما علم البديع فيتناول تعزيز جمال الخطاب من خلال اللفظ والمعنى، بهدف تقوية تأثيره عبر الإيضاح والإفصاح. أما الأسلوب فهو يتعلق بتنظيم المعنى في كلمات منسقة، وهو الطريقة التي تُصور بها المعاني في تعبيرات لغوية. وعند الحديث عن أسلوب القرآن الكريم نرى كيف أنه يتميز بالوضوح والقوة والجمال الذي لا يمكن للبشر أن يأتوا بمثله، وفيما يتعلق بنظمه الأدبي فإننا نلاحظ بأنه لا يتبع الأساليب القياسية للعرب، فهو لا يُضاهى في نظمه، بل إنه لا يلتزم بأي شكل من أشكال الأدب من شعر أو نثر.

 

وضوح الأسلوب المعجز للقرآن الكريم

 

ووضوح الأسلوب يكون ببروز المعاني المراد أداؤها في التعبير الذي أديت به، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾، قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "وكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره، حتى لا يسمعوه"، وفي التعليق على قوله تعالى ﴿وَالْغَوْا فِيهِ﴾ قال مجاهد: "الْمُكَاءُ وَالتَّصْفِيرِ، وَتَخْلِيطٌ مِنَ الْقَوْلِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَرَأَ، قُرَيْشٌ تَفْعَلُهُ"، وفي تفسيره لها ذكر ابن عباس رضي الله عنهما أنهم كانوا يعيبونه أي "يقومون بتشويهه والطعن فيه". في الواقع إن العرب رغم براعتهم اللغوية ذهلوا بوضوح القرآن، ما دفعهم إلى تجنب سماعه خشية تأثيره عليهم. علّق الإمام البلقاني رحمه الله على الوضوح الفريد للقرآن الكريم قائلا: "فما أشرفه من كتاب يتضمن صدق متحمله، ورسالة تشتمل على قول مؤديها. بين فيه سبحانه أن حجته كافية هادية، لا يحتاج مع وضوحها إلى بينة تعدوها، أو حجة تتلوها، وأن الذهاب عنها كالذهاب عن الضروريات، والتشكك في المشاهدات".

 

قوة الأسلوب المعجز للقرآن الكريم

 

إن اللغة العربية ليست لغة ذات قواعد نحوية دقيقة ومحددة فحسب، بل هي لغة صوتية تنتقل فيها معاني الكلمات بدقة من خلال طريقة نطقها بالإضافة إلى معانيها، وقوة الأسلوب تكون باختيار الألفاظ التي تؤدي المعنى بما يتلاءم مع المعنى. فالمعنى الرقيق يؤدي باللفظ الرقيق، والمعنى الجزل يؤدى باللفظ الجزل، والمعنى المستنكر يؤدى باللفظ المستنكر وهكذا. قال سبحانه وتعالى: ﴿وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً﴾، ويعبر عن المعاني الجزلة بكلمات ذات وقع صوتي جزل، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِّلطَّاغِينَ مَآباً * لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً﴾، وأما المعنى المستنكر فيعبر عنه بكلمات تُنكرها الأذن، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾.

 

جمال الأسلوب في القرآن الكريم:

 

أما جمال الأسلوب فيكون باختيار أصفى العبارات وأليقها بالمعنى الذي أدته، وبالألفاظ والمعاني التي معها في الجمل، مع الكلمات والمعاني الأخرى التي تُكمل هذا المراد، سواء أكان في الجملة نفسها أم في الجمل السابقة أو اللاحقة لها، والنتيجة هي صورة واضحة قوية تثير الخيال وتحرك المشاعر ببلاغة لا تضاهى، قال تعالى: ﴿رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾.

 

قال الإمام البلقاني واصفاً جمال الأسلوب في القران الكريم: "والمنادى على نفسه بتميزه، وتخصصه برونقه وجماله، واعتراضه في حسنه ومائه... فكل كلمة لو أفردت كانت في الجمال غاية"، وقال سيد قطب رحمه الله في كتابه الموسع (التصور الفني في القرآن): "فانظر إلى تعبير جميل كهذا التعبير: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾، هذا التعبير الذي يرسم صورة حية للخزي في يوم القيامة، ويصور هؤلاء المجرمين شخوصاً قائمة يتملاها الخيال، وتكاد تبصرها العين لشدة وضوحها، وتسجيل هيئتها (ناكسو رؤوسهم) وعند من؟ (عند ربهم) فيخيل للسامع أنها حاضرة لا متخيلة... هذه الصورة للهول لا تساوي من باحث في البلاغة".

 

الصيغة الأدبية للقرآن الكريم

 

حيّر القرآن الكريم خبراءَ اللغة العربية بتميّز طرازه في التعبير، والذي يختلف عن الأشكال المعروفة من الشعر والنثر، بل إنه لا يزال يبعث الدهشة في نفوس من يتعرف عليه حتى يومنا هذا، وقد تحدث الإمام السيوطي في كتابه (الإتقان في علوم القرآن) عن هذا الطراز العجيب قائلا: "إِعْجَازُ نَظْمٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ".

 

والقرآن طراز خاص من التعبير، ونظمه ليس على منهاج الشعر الموزون المقفّى، ولا هو على منهاج النثر المرسل، ولا هو منهاج النثر المزدوج أو النثر المسجوع، وإنما هو منهاج قائم بذاته لم يكن للعرب عهد به ولا معرفة من قبل. والمزدوج يوصف بأنه "يقوم هذا الأسلوب على تقسيم العبارات، وبراعة الموازنة بين الجمل؛ إذ تتعادل فيه الألفاظ، وتزدوج الجمل في تنسيقٍ منتظم، يتراوح بين الإيجاز والمساواة والإطناب، بحسب مقتضى الحال".

 

وإن القرآن الكريم لا يتبع أسلوب النثر المسجوع أيضا، فالقرآن الكريم يتميز بتأليف فريد لم يسبق للعرب أن واجهوه من قبل، ولم يتمكنوا من مضاهاته بأي شكل. وكون القـرآن طـرازاً خاصاً ونسيجاً منفرداً واضح فيه كل الوضوح، فهو يوضح ويستثير ويصور بأسلوب لا يمكن لأي من البشر أن يضاهيه.

 

وكون القـرآن طـرازاً خاصاً ونسيجاً منفرداً واضح فيه كل الوضوح

 

يحتوي القرآن الكريم على نثر يشبه الشعر في بعض جوانبه، ومع ذلك فهو ليس شعراً، بل إنه شكل فريد من النثر لا يطابق أسلوب الشعر، فانظر كيف يقول تبارك وتعالى: ﴿وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾، ويقول تعالى: ﴿لن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾، هو نثر قـريب من الشـعـر، إذ لو نظمت الآيتان لكانتا بيتين من الشعر هكذا: من الآية الأولى (ويـخـزهم وينـصـركم عليهم، ويشـف صـدور قـوم مؤمنـين) ومن الآية الثانية (لــن تـنـــالـوا الـبــــر حــتــى، تـنــفــقــوا مـمــا تـحـــبــون) ولكنهما ليسا شعراً وإنما هو نوع من النثر فريد.

 

وفي الوقت الذي تجد القرآن يقول هذا النوع من النثر مما هو نثر بعيد عن الشعر كل البعد، قال سبحانه: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ * فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾.

 

الإيجاز والإطناب في النسق البياني في القرآن الكريم

 

يتشكل القرآن الكريم من مقاطع مكتوبة أو فقرات تتألف من جمل وعبارات، ويختلف طول المقطع المكتوب بين الإطناب والإيجاز من آية إلى أخرى، وفي الوقت نفسه نجد كيف يتوافق هذا التباين تماما مع النفس أثناء التلاوة، حيث يستطيع القارئ أن يتلو الآية في نَفَس واحد، فتجد في القرآن نوعا من النثر تم فيه، فيطيل الفقرة والنفس في النثر، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً﴾، بينما نجد آيات أخرى فيقصر الفقرة والنفس في النثر، قال تعالى: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾. إن هذا الإطناب والإيجاز والتطويل والتقصير في الفقرات والنفس المصاحب لها في المثالين السابقين قد اختلف تماما مع أننا نتحدث عن النوع نفسه من الصياغة الأدبية العربية من النثر.

 

مع أن كلاً منهما نثر في فقرات. وبينما تجده يبدع في النثر المرسل فيرسل في القول: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾

 

النثر المسجع في الأسلوب الأدبي للقرآن الكريم

 

تجده يبدع في النثر المسجع ويسجع فيقول ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾، وتجده يتسامى في الازدواج ويزدوج فيقول تعالى: ﴿ألْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾.

 

وتجده يطيل الازدواج فيقول تعالى: ﴿قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ * كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ * فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً﴾.

 

وبينما يسير في سجعة معينة إذا هو يعدل عنها إلى سجعة أخرى، فبينما يكون سائراً بالسجع هكذا ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ إذا هو يعدل في الآية التي بعدها مباشرة فيقول تعالى: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً﴾، ثم يعدل عن هذه السجعة إلى غيرها في الآية التي بعدها مباشرة فيـقـول تبارك وتعالى: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ﴾.

 

إن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن القرآن الكريم أدهش أعظم علماء اللغة العربية على مر العصور، فهو يشبه أشكال التعبير اللغوي البشري، ولكنه مع ذلك معجز في تلك الأشكال نفسها، بشكل جعل كل من حاول تقليده يصاب بالإحباط، في حين إن عباقرة اللغة لم يجرؤوا حتى على المحاولة.

 

الجمع بين التعبير والصياغة الأدبية في القرآن الكريم

 

إن أسلوب القرآن يتميز بالوضوح والقوة والجمال الذي لا يمكن لبشر مجاراته، وفي الوقت نفسه يمتلك القرآن صياغة أدبية تتميز بقصرها وإطالتها وإيقاعها الذي يعجز أي من البشر عن محاكاتها، فالقرآن الكريم يمزج المعاني بالبيان والبديع مع الصياغة الأدبية في تركيبة مدهشة.

 

ثم إنك تجد أسلوبه واضحاً قوياً جميلاً يؤدي المعاني بكيفية من التعبير تصور المعاني أدق تصوير. فتجده حين يكون المعنى رقيقاً يقول، ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً * وَكَأْساً دِهَاقاً﴾، من الألفاظ الرقيقة والجمل السلسة. وحين يكون المعنى جزلاً يقول تعالى: ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآَباً * لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً * جَزَاءً وِفَاقاً﴾ من الألفاظ الفخمة والجمل الجزلة.

 

وقـد صـاحـب تأدية المعاني بهذه الكيفية من التعبير التي تصور المعاني مراعاة للألفاظ ذات الجرس الذي يحرك النفس عند تصورها لهذه المعاني وإدراكها لها. ولذلك كانت تبعـث في السـامع المـدرك لعـمـق هـذه المعـاني وبلاغة التعبير خشوعاً عظيماً حتى كاد بعض المفكرين العرب من البلغاء أن يسجدوا لها مع كفرهم وعنادهم.

 

الاهتمام الدقيق بالحروف والمخارج الصوتية في الكلمات والجمل:

 

ثم إن المدقق في ألفاظ القرآن وجمله يجد أنه يراعي عند وضع الحروف مع بعضها، الأصوات التي تحدث منها عند خروجها من مخارجها فيجعل الحروف المتقاربة المخارج متقاربة الوضع في الكلمة أو الجملة وإذا حصل تباعد بين مخارجها فصل بينها بحرف يزيل وحشـة الانتقال. وفي الوقت نفسه يجعل حرفاً محبباً من مخرج خفيف على الأذن يتكرر كاللازمة في الموسـيـقـى، فلا يقـول (كالباعق المتدفق) وإنما يقول، ﴿كَصَيِّبٍ﴾، ولا يقول (الهُعْخع) وإنما يقول، ﴿سُندُسٍ خُضْرٌ﴾ محافظا بذلك على التقارب في المخارج بين الكلمات المحاذية لبعضها، فاستخدم القرآن تعبير "سُندُسٍ خُضْرٌ" بدلاً من "الهُعْخَع"، التي تحمل معنى مقارباً، لكنها لا تحافظ على تقارب المخارج.

 

وإذا لزم أن يستعمل الحروف المتباعدة وضعها في المعنى الذي يليق بها ولا يؤدي المعنى غيرها مثل كلمة ﴿ضِيزَى﴾، فإنه لا ينفع مكانها كلمة ظالمة ولا جائرة مع أن المعنى واحد، مستخدما التعبير المناسب للمعنى مع الحفاظ على الإيقاع والدقة الصوتية.

 

ومع هذه الدقة في الاستعمال، فإن الحرف الذي يجعله لازمة يرد في الآيات واضحاً في التردد، فآية الكرسي مثلاً ترددت اللام فيها ثلاثاً وعشرين مرة بشكل محبب يؤثر على الأذن حتى ترهف للسماع وللاستزادة من هذا السماع. ﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ

 

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾، فقد تكرر حرف "اللام" في آية الكرسي ثلاثاً وعشرين مرة، ما خلق تكراراً لحنياً جميلاً يجذب السمع ويحث على الإنصات أكثر.

 

التحدي في العصر الحالي

 

إن القرآن الكريم بلا شك طراز فريد لا يمكن للبشرية أن تأتي بمثله، ومعجزة نزلت لتكون تحدياً يثبت رسالة النبي محمد ﷺ، لقد كان تأليف القرآن ورسمه وطرازه مهيباً للعرب على مدار ثلاثة وعشرين عاماً، عجزوا فيها عن مواجهة التحدي، فلجأوا إلى الافتراء، والتهديد، والحرب، والنفي، قال الإمام الباقلاني: "وقال غير هؤلاء وهؤلاء: لو نشاء لقلنا مثل هذا، ولكنهم لم يقولوا هم ولا غيرهم لأن تأليف القرآن البديع، ووصفه الغريب، ونظمه العجيب، قد أخذ عليهم منافذ البيان كلها وقطع أطماعهم في معارضته، فظلوا مقموعين مدحورين ثلاثة وعشرين عاما، يتجرعون مرارة الإخفاق، ويهطعون لقوارع التبكيت، وينغضون رؤوسهم تحت مقارع التحدي والتعيير، مع أنفتهم وعزتهم، واستكمال عدتهم وكثرة خطبائهم وشعرائهم، وشيوع البلاغة فيهم، والتهاب قلوبهم بنار عداوته، وترادف الحوافز إلى مناهضته، وعرفانهم أن معارضته بسورة واحدة أو آيات يسيرة أنقض لقوله، وأفعل في إطفاء أمره، وأنجع في تحطيم دعوته، وتفريق الناس عنه - من مناجزته، ونصبهم الحرب له، وإخطارهم بأرواحهم وأموالهم، وخروجهم عن أوطانهم وديارهم".

 

إن تحدي القرآن الكريم ليس مقتصراً على أولئك الذين وُجه إليهم مباشرة في زمن النبي محمد ﷺ في وقت الوحي، بل إنه تحدٍ دائم مستمر حتى يوم القيامة، فالقاعدة الشرعية تقول: "الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ". لقد أربك القرآن الكريم نخبة العرب سابقاً، فهم رغم عدائهم الشديد لرسالة النبي محمد ﷺ لم يستطيعوا مواجهته، واليوم يربك القرآن الكريم الحكومات الغربية العدائية فتلجأ هذه الحكومات للتشهير والتهديد والحرب لقمع الرسالة، لأنها غير قادرة على مواجهة التحدي الذي يفضح حقيقتها.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مصعب عمير – ولاية باكستان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

صفات المرأة الناجحة في الإسلام

 

(مترجم)

 

 

 

 

يتمنى كل مسلم أن يفوز في الدنيا والآخرة؛ ولكن لتحقيق ذلك يجب علينا أن نفهم ما هو النجاح في الإسلام.

 

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾.

 

من هذا الدليل يتبين لنا أن النجاح لا يقتصر في التعريف على الذكر أو الأنثى، بل طاعة الله سبحانه وتعالى والتقوى (خوف الله سبحانه وتعالى).

 

مع وضع هذا في الاعتبار، يمكننا نحن النساء المسلمات أن ننظر إلى النبي ﷺ كمثال للنجاح، باعتباره قدوة للبشرية. ولدينا أيضاً نساء مبشرات بالجنة هن:

 

1- خديجة بنت خويلد: كانت أول زوجة للنبي ﷺ وأقوى مؤيديه، وغالباً ما يشار إليها باسم "أم المؤمنين".

 

2- مريم بنت عمران: لم تكن مرتبطة مباشرة بالنبي ﷺ ولكنها تحظى باحترام كبير في الإسلام باعتبارها أم النبي عيسى عليه السلام.

 

3- آسيا بنت مزاحم: لم تكن مرتبطة بالنبي ﷺ ولكنها مكرمة في الإسلام باعتبارها الزوجة الصالحة لفرعون وواحدة من أعظم أربع نساء في التاريخ الإسلامي.

 

4- فاطمة بنت محمد: كانت الابنة الحبيبة للنبي ﷺ وهي من أكثر النساء تكريماً في الإسلام.

 

عندما ننظر إلى النساء المبشرات بالجنة، يجب أن نفهم أن نجاحهن لم يكن مرتبطاً بالاسم أو المنصب. ففي الإسلام، لا يوجد مفهوم لدخول الجنة بناءً على من تعرفه وما هي مكانتك الدنيوية. لقد أثنى الله عليهن جميعاً بسبب صفاتهن المشتركة في كونهن قريبات في ممارستهن ليكن مثل مثال النبي ﷺ. إذا أردنا نفس مكانة دخول الجنة، فيجب أن نتبع مثالهن في النجاح. فالصفات التالية مطلوبة إذن:

 

خديجة بنت خويلد:

 

الإيمان الراسخ والدعم: آمنت بالنبي ﷺ منذ البداية ودعمته بكل إخلاص في مهمته.

التضحية من أجل قضية الإسلام: أعطت ثروتها ومواردها لمساعدة النبي ﷺ والمسلمين الأوائل.

الرحمة والحكمة: كانت معروفة بطبيعتها اللطيفة ونصائحها الحكيمة، ما يعكس رحمة النبي ﷺ.

 

مريم بنت عمران:

 

التفاني في العبادة: كانت مخلصة في صلاتها واتصالها بالله، ما يعكس تفاني النبي ﷺ في العبادة.

الطهارة والعفة: كانت تحافظ على المعايير الأخلاقية العالية، وتعيش حياة البر والتواضع.

الصبر في المحن: تحملت حكم المجتمع بإيمان راسخ بالله، ومثالاً للمثابرة في الشدائد.

 

آسية بنت مزاحم:

 

الإيمان في مواجهة الظلم: ظلت مؤمنة بالله على الرغم من زواجها من فرعون، الطاغية الأكثر ظلماً.

الشجاعة والمرونة في سبيل الله سبحانه وتعالى: وقفت ثابتة في إيمانها وسعت إلى ثواب الله سبحانه، محاكية ثبات النبي ﷺ في الشدائد.

اللطف والتواضع: على الرغم من مكانتها كزوجة لفرعون، إلا أنها ظلت متواضعة وسعت إلى رحمة الله سبحانه وتعالى.

فاطمة بنت محمد:

 

التقوى والحياء: جسدت صفات المسلم المتدين، وضربت مثلاً في التواضع والحياء لوالدها النبي ﷺ.

التفاني في خدمة الأسرة: أظهرت حباً ورعاية هائلين لأسرتها، مقتدية بالنبي في التعاطف والمسؤولية.

المثابرة في الشدائد: تحملت صراعات كونها جزءاً من بيت النبي ﷺ بصبر وتحمل.

 

من هذه الأمثلة النبيلة الخالصة، يمكننا استخدام هذه القائمة في حياتنا اليومية بوصفنا نساء مسلمات نسعى إلى النجاح!

 

﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عمرانة محمد

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

فخاخ ترامب..

من الذي سقط ومن سيسقط فيها؟

 

 

 

منذ توليه منصب الرئاسة رسمياً في كانون الثاني/يناير الماضي، يتصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عناوين الأخبار والمقالات في وسائل الإعلام العالمية، لا سيما تداعيات السياسة والاقتصاد المتعلقة بأوروبا بشكل عام، وأوكرانيا بشكل خاص، وكذلك حيال روسيا. كانت وما زالت هذه السياسات محط جدل واستنكار من جهات عدة، فقد درج هو ونائبه بشكل مستمر على الهجوم على الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، وفي المقابل التقارب مع روسيا، في مقاربة غريبة من نوعها، حيث إن روسيا هي عدو الأمس مقابل دول الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا الحلفاء التقليديين. فكيف يمكن فهم هذه المفارقة؟

 

بالرجوع إلى السياسة الخارجية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، نجد أن من ثوابتها إقامة الأحلاف لتنفيذ مخططاتها، كما هو الحال في حلف الناتو الذي كان موجهاً بالأساس ضد الاتحاد السوفيتي، وكذلك في غزوها لأفغانستان أو في حرب الخليج الأولى ضد العراق. وبالمقابل، كانت تسعى إلى عدم حدوث أي نوع من التقارب بين خصومها، خاصة الاتحاد السوفيتي والصين، فقد دعمت الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو ضد منافسه الكومينتانغ "الحزب القومي الصيني"، حسب تقارير الدبلوماسيين الأمريكيين وسياسة وزير الخارجية الأمريكي دالاس، وذلك لخلق رأسين متنافسين للشيوعية.

 

بعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001 بدعم أمريكي، شهد اقتصاد الصين طفرة هائلة، ما عزز قوتها السياسية عالمياً. وقد درجت أمريكا على دعمها لعقود عدة، بشكل غير مباشر، من خلال التبادل التجاري، والاعتراف الدبلوماسي، وعدم السعي لمواجهة مباشرة، ما يمنحها مساحة لتعزيز قوتها العالمية.

 

وعلى النسق ذاته، أشعل الرئيس الأمريكي السابق بايدن، الحرب الأوكرانية عندما رأى التقارب بين روسيا والاتحاد الأوروبي يزداد يوماً بعد يوم، فدفعت أوكرانيا لاستفزاز روسيا، ما حدا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاتهام واشنطن بمحاولة استدراج موسكو إلى حرب في أوكرانيا. وأكد بوتين في تصريحات صحفية عقب لقاء رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان في موسكو، أن الولايات المتحدة تتجاهل مخاوف روسيا، بشأن قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوروبا. (فبراير/شباط 2022).

 

وهو الأمر الذي أدى إلى إشعال العداوة بين روسيا من جانب، وبين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا من الجانب الآخر. وما إن جاء ترامب إلى سدة الحكم حتى صب الزيت على النار فزادت اشتعالاً، وذلك بمواقفه المنحازة تجاه روسيا، والمتشددة تجاه الاتحاد الأوروبي، والعدوانية تجاه أوكرانيا، فأعلن الاتحاد الأوروبي العداء السافر تجاه روسيا.

 

ومن جانب آخر، خلقت الحرب الأوكرانية تقارباً بين روسيا والصين، وهو أمر مرفوض أمريكياً، فكان لا بد من معالجته، ويعتبر من أقوى المهددات للأمن الأمريكي. فإن أي تحالف بين روسيا والصين، يعني الحرب العالمية الثالثة، على مقولة هنري كيسنجر.

 

من هنا جاء تصريح وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب، تهدف إلى فصل روسيا عن الصين بالطريقة نفسها التي فصل بها الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون الصين عن الاتحاد السوفيتي. (موقع بريتبارت، 26/2/2025).

 

وقد رد عليه وزير الخارجية الصيني وانغ يي، دون أن يذكره صراحة، قائلاً: "إن العلاقات الناضجة والمرنة والمستقرة بين الصين وروسيا، لن تتأثر بأي تحول في الأحداث، ناهيك عن أن تكون عرضة للتدخل من أي طرف ثالث". (شيخو، 7/3/2025).

 

وبذلك، يكون ترامب قد أوقع الاتحاد الأوروبي في فخ العداوة لروسيا، بتهديده بسحب الدفاع عن أوروبا، كما أوقع روسيا في الفخ عندما كان سخيا معها، وذلك بالاستجابة لجميع مطالبها في أوكرانيا، وهذا بدوره يجذب روسيا بعيداً عن الصين. كما أوقع زيلينسكي في الفخ الذي نصبه له في البيت الأبيض، وأهانه أمام كاميرات الإعلام في مسعى لقبوله بشروط وقف إطلاق النار، والتنازل عن المعادن الأوكرانية الثمينة، والفخ الآن منصوب للصين وذلك للاستفراد بها في حربه التجارية القادمة معها.

 

وتعتبر سياسة ترامب في هذا الجانب امتداداً لأسلافه مع الاختلاف في الأسلوب، حيث كان المعتمد في السياسة الأمريكية رؤية أفلاطون "تكلم بصوت منخفض واحمل بيدك عصا غليظة"، إلا أن ترامب خالف ذلك فهو يتكلم بصوت عالٍ ويحمل بكلتا يديه عصا غليظة.

 

إن التأمل في الصراع الدولي يعيد ذاكرتنا إلى أيام الخلافة الراشدة التي قضت على دولتي الفرس والروم وتربعت على عرش الدولة الأولى في العالم، ثم جاءت الدولة الأموية التي حملت الإسلام إلى الهند والسند، ثم توسعت أيام العباسيين حتى قال الخليفة هارون الرشيد مخاطباً الغمامة: "أينما تذهبين يأتيني خراجك"، وما إن تولى العثمانيون زمام الخلافة، حتى اتجهت الفتوحات نحو أوروبا، حتى وصلت إلى أسوار فيينا.

 

وبالعودة إلى حالنا اليوم، فإننا نتساءل، ألسنا خير أمة أخرجت للناس؟! فيأتي الرد سريعاً من حديثه ﷺ، ولم يدع اليأس يتسرب إلى نفسنا، فعن ثوبان قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا».

 

فهلا شحذنا هممنا وقوينا عزائمنا وحققنا بشرى نبينا ﷺ.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس حسب الله النور – ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

"التدين" قليل الكُلفة

 

إنّ من أخطر المسالك لدى الكثيرين من أبناء الأمة الإسلامية هو التوجه نحو التدين قليل الكلفة، أي عبادة الله بالحد الأدنى الذي يظن به المتراخي أنه ينجيه من غضب الله ويرفع عنه العتب تجاه أمته ودينه وبلاده.

 

فتجد الكثيرين يتجهون نحو الاستكانة والاكتفاء بالشعائر التعبدية دون غيرها من باقي أحكام الإسلام والتي هي محل الصراع والتحدي والتغيير.

 

وهذا القسم يقنع نفسه بأنه بتلك الممارسات التعبدية، كصلاة المسجد وقيام الليل وإطلاق اللحى وحفظ القرآن وتلاوته، يكون قد قام بما عليه ويواسي نفسه بقوله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾.

 

وقد يصل الأمر ببعضهم إلى تأييد بعض الجماعات، كالحركات الجهادية مثلا، دون أن يكون له معها نصيب من العمل، ويظن أنه بتأييده إياها يكون قد كفّى ووفى، مع أنه قد يفعل ذلك فقط للتهرب من واجب العمل السياسي الجاد المفضي للتغيير لأنه لا يريد أن يدفع ثمن ذلك بالمواجهة مع الحكام والأنظمة، مواجهة قد تعرضه لنقمة الأنظمة بالسجن أو الطرد من الوظيفة أو التضييق عليه في تجارته ومعاملاته الحياتية، وغير ذلك من أساليب البطش والأذى.

 

والحقيقة أن هذا السلوك والتوجه هو خطير على الفرد وهو أخطر على الأمة عندما يتنامى ويتكاثر.

 

فتصوروا معي لو كان هذا نهج الصحابة والتابعين مثلا، هل كان سيصلنا الإسلام ويعلو شأنه؟

 

إن لم ينبر للإسلام رجال أقوياء كصحابة رسول الله ﷺ، كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وحمزة وسعد، فمن سيعيد الإسلام إلى الحياة؟!

 

وهل نتوقع من الغرب والحكام مثلا أن يتنازلوا عن باطلهم وتسلطهم على رقاب الناس هكذا طواعية دونما مواجهة وكفاح ونضال؟!

 

لا شك أن الجواب بديهي وواضح، وهو بالنفي طبعا.

 

فكفاح رسول الله ﷺ وصحابته ونضالهم المشهود، وبأسهم الشديد في مواجهة الكفر ونظامه، هو ما ثبت الإسلام وأجبر الطغاة على التراجع.

 

وكفاح الأمة وأبنائها ونضالها اليوم لاستعادة سلطانها وخلع الحكام عن عروشهم المعوجة قوائمها، هو ما سيعيد الإسلام إلى الواجهة ويجبر الغرب ونواطيره الحكام على التراجع والاندثار.

 

فتأملوا معي حديث رسول الله ﷺ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا دخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّه كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِ الله وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَكَ، ثُم يَلْقَاهُ مِن الْغَدِ وَهُو عَلَى حالِهِ، فَلا يَمْنَعُه ذلِك أَنْ يكُونَ أَكِيلَهُ وشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ».

 

فهذا الحديث يحث المسلم على المفاصلة والوقوف وقفة الحزم في دين الله وعدم التراخي أو الاستكانة إلى العصاة. وإذا كان هذا الحزم مطلوبا مع العوام والأفراد فكيف به مع الحكام والقائمين على أمور الناس؟!

 

لذلك حث رسول الله ﷺ المسلم على أمر الظالم بالمعروف ونهيه عن المنكر، بل وأطره على الحق أطرا، ليكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على صعيد الإصرار والإلجاء وليس على سبيل رفع العتب والملامة، فقال رسول الله ﷺ: «كَلَّا، وَالله لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، ولتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، ولَتَأْطرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْراً، ولَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْراً، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ الله بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ ليَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ».

 

وأختم بقول الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾، قال القرطبي: وقيل على حرف أي على وجه واحد وهو أن يعبده على السراء دون الضراء.

 

فاحذروا عباد الله من عبادة الله بالسراء دون الضراء، وبالرخاء دون الشدة، وباليسير دون الصعب.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس باهر صالح

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

هل يمكن للمسلمين تحقيق النجاح

من خلال سياسات الديمقراطية؟

(مترجم)

 

نظراً للإبادة الجماعية الوحشية التي ارتكبها يهود في غزة ودور أمريكا فيها، فقد دارت مناقشات كثيرة بين المسلمين حول كيفية زيادة مشاركتهم السياسية وكيف يمكن للجالية المسلمة أن تكون في طليعة تشكيل السياسة الأمريكية لتغيير العالم نحو الأفضل. وفي إطار هذه المناقشات، يُقال الكثير عن المشاركة المدنية، والانضمام إلى ودعم مرشحين سياسيين محددين، وحجب أصواتهم كشكل من أشكال العقاب، وأخيراً الحصول على المزيد من المسلمين، أو "الحلفاء" لتولي المناصب على مستوى الولايات والمستوى الفيدرالي. حتى إن هناك أحاديث بين الأخوات يزعمن فيها بحماس أنهن يحاولن تربية ابنهن أو ابنتهن ليكون أول رئيس أمريكي مسلم. ويتم عرض هذا باعتباره نجاحاً ليس فقط للمسلمين في أمريكا، بل وللمسلمين في جميع أنحاء العالم. يتم عرض هذا باعتباره خطة للنجاح على الرغم من حقيقة أن جميع الأحزاب السياسية، سواء أكانت زرقاء أو حمراء أو خضراء، تدعم كيان يهود، وغيره من الدول التي ترتكب الإبادة الجماعية مثل الصين والهند.

 

في الانتخابات الماضية، استمر بعض المسلمين في دعم الديمقراطيين على الرغم من جرائم الحرب الشنيعة التي ارتكبوها في غزة لأنهم زعموا أن "الليبراليين هم حلفاؤنا". أيد بعض المسلمين مرشح الحزب الأخضر، لكنهم فشلوا في الاعتراف بدعم الحزب للدول التي ترتكب أيضاً فظائع ضد المسلمين في الصين وروسيا. ناهيك عن حقيقة تجاهل الحزب أيضاً الدور المركزي الذي يلعبه كيان يهود في السياسة الخارجية الأمريكية وأي وعد من مرشح رئاسي بوقف تمويل وجوده أمر لا يمكن تصوره. أخيراً، كانت هناك مجموعة من المسلمين الذين دعموا ترامب لأنهم شعروا أنه سيوقف الإبادة الجماعية (وأية حروب محتملة) وأن سياساته المالية جيدة للمسلمين في أمريكا. إذا لم يفز مرشحك، فإن التوقعات المقترحة كانت "لدينا 4 سنوات للعمل على إنشاء كتلة تصويتية للمسلمين وتهدف إلى إدخال المزيد من المسلمين إلى المناصب المحلية للحصول على الانتخابات القادمة". وقد تم الترويج لكل هذه الأسباب والاستراتيجيات كوسيلة لتحقيق النجاح.

 

ما هو الواقع منذ تولى الرئيس "المناهض للحرب" منصبه؟ الواقع هو الدعم القوي لنتنياهو وكيان يهود ويُمنح مليارات الدولارات في صورة أسلحة لمواصلة الاستيلاء على الأراضي وتعذيب وقتل الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية. كما أذكى نائب الرئيس جيه دي فانس الحماسة المعادية للإسلام في رحلته الأخيرة إلى أوروبا، وحتى ما يسمى بالأمن المالي الذي يشعر المسلمون بأنهم يتمتعون به في أمريكا يتم تقليصه ببطء مع إلغاء تمويل الرعاية الطبية ومزايا (الضمان الاجتماعي).

 

وفي حين إن صدق المسلمين في أمريكا ليس محل شك، فهم يتوقون أيضاً إلى إنهاء الإبادة الجماعية واحتلال الأرض المباركة، فإن الحقيقة تقال، وهي أن تحقيق النجاح كأمة لن يحدث أبداً إذا كنا نتطلع إلى نظام من صنع الإنسان لحل مشاكلنا ومشاكل العالم. لقد رفض نبينا محمد ﷺ الانضمام إلى النظام السياسي لقريش على الرغم من وعده بالثروة والسلطة، فضلاً عن إنهاء العنف ضد المسلمين في مكة مقابل التخلي عن إقامة أحكام الله سبحانه وتعالى. وبينما سمح هذا باستمرار ظلمه ﷺ وصحابته، مهدت تضحياتهم الطريق أمامهم للنجاح بإقامة الدولة الإسلامية، ومن ثم صارت بلاد المسلمين منارة للعالم وملاذاً للمظلومين. لم يكن لدى السلف الصالح نظرة ضيقة، بل نظروا إلى الصورة الأوسع. لم يكونوا ينظرون فقط إلى تأمين منافعهم ومصالحهم الخاصة، بل ضحوا بأموالهم ووقتهم وأرواحهم لإقامة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة.

 

إننا كأمة لا بد أن نتخذ مثل هذا الموقف. ولا بد أن نبتعد عن المشاركة في نظام مضطهدينا؛ الذين يقفون وراء كل أعمال العنف والاضطرابات والفقر في مختلف أنحاء العالم، وأن نفعل كما فعل أسلافنا الصالحون من خلال النظر إلى القرآن والسنة باعتبارهما دليلنا في كيفية تغيير المشهد السياسي. وبالنسبة للمسلمين في أمريكا، فإن هذا يعني أن ننظر إلى ما هو أبعد من المنافع قصيرة الأجل، حيث رأينا مراراً وتكراراً فشل هذه الاستراتيجية. فإن هذا يعني أننا لا بد وأن نكون في طليعة من يدعون إلى النظام السياسي الإسلامي باعتباره الحل الوحيد للمشاكل التي تتراكم باستمرار ليس فقط على المسلمين، بل على البشرية جمعاء. يجب علينا أن نبرز عدالة شريعة الله سبحانه وتعالى وكيف أن تطبيقها الكامل سيجلب الاستقرار والأمن للذين يعيشون داخل أراضيها الشاسعة، سواء أكانوا مسلمين أو نصارى أو يهوداً أو هندوساً، إلخ.

 

وكما فعل نبينا ﷺ، يجب علينا نحن المسلمين أن نعمل من أجل إقامة نظام الله سبحانه وتعالى في بلاد المسلمين، حتى ننال رضا خالقنا سبحانه وتعالى ونكون نوراً هادياً للعالم.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سارة محمد – أمريكا

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

الفلاح الحقيقي هو للأمّة الإسلامية فقط إلى يوم القيامة

(مترجم)

 

 

وصف الله سبحانه وتعالى هذه الأمة الإسلامية بكونها ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110] وأيضا: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة: 143]

 

يُفسّر ابن كثير الآية (أمةً وسطا) بأنها (الأمة الوسط)، و(الأفضل)، و(الخيار الأول)، و(الأحسن)، و(الأشرف)، وبذلك تكون هذه الأمة هي القدوة للبشرية. لأنها الأمة التي تسعى وتقود تنفيذ وإرشاد وتمهيد الطريق إلى أفضل أسلوب حياة للبشرية، والذي حدّده الله سبحانه وتعالى، خالق هذه البشرية، نفسه. إنها ذلك الجزء المختار من البشرية، الذي لا يتجاوز حدود الله سبحانه وتعالى ولا يُقصّر في أداء واجباته التي فرضها الله عليه (لا يُفرّط). وبالتالي فهي القادرة على إقامة الحق والعدالة. وهي التي تحدّد المثل والقيم التي ترفع الإنسان من مخلوق بدائي إلى أفضل المخلوقات؛ أي من كونه مخلوقاً يتصرف وفقاً لغرائزه وحاجاته العضوية، إلى إنسان مثقّف، مكتمل، قادر على التفاعل بسلام مع الآخرين من الناس والأمم والأديان وما إلى ذلك. تفكير هذه الأمة وحكمها هو المقياس لكل تفكير وأحكام قيمية ومعايير وممارسات. لها الكلمة الأخيرة فيما هو "صواب/خير" وما هو "خطأ/شر". هذا ما يجعلها "وسطية"، والتي تعني حرفياً بارزة ومتفوقة ومتميزة.

 

إذن، من الذي لا يوافق على أنّ هذا هو "الشكل النهائي للفلاح" للإنسان الفرد، وكذلك للأمة بأكملها؟

 

مع ذلك، منذ أكثر من مائة عام، جُعلنا نعتقد أننا غير قادرين على إدارة أي مجال من مجالات الحياة الدنيوية، وغير قادرين على أن نصبح أمة متقدمة وناجحة. الحقيقة هي أننا تعرضنا للتضليل على يد الغرب، ونظرنا إلى النجاح فقط وفقاً لمفاهيم ومعايير ومثل وقيم الأمم والسياسيين والمفكرين والدول غير الإسلامية، والذين حددوا مقياس النجاح على أنه تحقيق الديمقراطية والحريات الليبرالية والمساواة بين الجنسين وطاعة المعايير والاتفاقيات الدولية. الحقيقة هي أنّ هذه النظرة لا تخدم إلاّ تشويهنا وبقاءنا تحت هيمنة الغرب ونزواته. والأهم من ذلك، أن الحكام العملاء عصبوا أعيننا، وهم يعملون كمشرط للتشويه الفكري والسياسي والتخلف الاقتصادي والاستغلال والإفقار في البلاد الإسلامية. إنهم المهرجون الذين يوجهون اللوم إلى الإسلام والمسلمين في كل مصيبة أو فشل، في حين يحيطوننا بعقدة النقص الخاصة بهم. إنهم أتباع الغرب الذين يسحقون كل جهد إسلامي لتحدي طغيانهم.

 

إننا لا بدّ أن نطهّر عقولنا من السّرد الكاذب الذي يزعم أننا ضعفاء أو بلا هدف. بل على العكس من ذلك فنحن أمة تمتلك مبدأ قويا وقادرا على ضمان الرفاهية للبشرية جمعاء، وليس فقط لقلة من أصحاب رؤوس الأموال. فالإسلام يضمن التنمية السليمة والرفاهية لكل فرد، ليس فقط اقتصاديا، بل وأيضا الرفاهية في الأخلاق والقيم، وفي الجوانب الإنسانية والثقافية والعلمية، ويضمن أن يكون ذلك متاحاً للجميع، بغضّ النظر عن معتقداتهم أو عرقهم أو جنسيتهم أو لغتهم. والإسلام، على النقيض من الأنظمة التي صنعها الإنسان، يضمن التنمية المنسجمة مع الفطرة البشرية، وليست المتناقضة معها، وهذا هو السبب الرئيسي وراء بحث الناس في جميع أنحاء الغرب الرأسمالي الديمقراطي باستمرار عن نظام حياة بديل.

 

لقد وفرنا ذلك لمدة 1300 عام لكل إنسان تحت حكمنا؛ وحتى في الأوقات التي كانت فيها القوى العاملة والموارد والتكنولوجيا أقل.

 

وحتى اليوم، وفي خضم المصائب التي تكاد لا تحصى، أثبتت هذه الأمة أنها ثابتة على هويتها وبالتالي فهي غير قابلة للتدمير. لقد أثبتت أنها تستحق الأوصاف التي منحها لها رب العالمين. انظروا إلى كشمير والهند وأفغانستان. انظروا إلى سوريا، وتركستان الشرقية، وميانمار، وأفريقيا، وفي جميع أنحاء العالم، ثم انظروا إلى فلسطين وخاصةً غزة! لقد فشل يهود الإرهابيون في أهدافهم فيما يتعلق بغزة. لقد أثبتت هذه الأمة مراراً وتكراراً أنّ وجودها لا ينطفئ مهما كانت قسوة أعدائها.

 

ومن الثابت أن الله سبحانه وتعالى لم يمنح مثل هذه الصفة النبيلة لأعزّ أمة بين البشر ليجعلها تختفي، بل لقد وضع سبحانه وتعالى شروطاً معينة لإعلاء هذه الصفة الاستثنائية (خير أمة، وأُمة وسطاً).

 

وكل ما يريده سبحانه وتعالى منا هو طاعته وحده: ﴿اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 3]. فيقول: ﴿أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ﴾ [البقرة: 140] لذلك ﴿وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ﴾. [النساء: 59]. وإذا لم تفعلوا فتكون النتيجة كما يلي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 149]. وقد حذرنا سبحانه: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾. [طه: 124].

 

إن كلمة "ضنكا" هنا ليست مجرد كلمة بائسة، ولكنها أسوأ الأسوأ. إنه الفشل المطلق والكامل، الذي لا يقتصر على الدنيا فحسب، بل يمتدّ إلى الآخرة! ولكن الله تعالى هو الغفور أيضاً؛ ولذلك فإن طريق العودة إلى الفلاح هو طاعة الله سبحانه وتعالى ورسوله ﷺ واتباع هذه الرسالة الفريدة: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 1-2]. ﴿أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: 5].

 

لا شكّ أنّ الطريق الآمن إلى الفلاح هو أن نتخلص من كل من يمنعنا ويحول بيننا وبين طاعة الله، ثم نطبّق حكمه متّحدين تحت مبدأ واحد، في ظلّ الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وهي دولة تقوم على المبادئ والعقائد والقوانين والنظام الذي رسمه لنا الله سبحانه وتعالى، وهذا الفلاح مضمون من الله سبحانه وتعالى.

 

﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ

 

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

زهرة مالك

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

السياسة عمل الأنبياء

 

لقد تعرض العمل السياسي والاشتغال بالسياسة إلى حملة تشويه كبيرة استهدفت المجتمعات في البلاد الإسلامية حصرا دون غيرها من المجتمعات بغرض تنفير المسلمين منه.

 

ففي الوقت الذي يعتبر فيه وصف إنسان ما بالشخصية السياسية مدحا وإكبارا له في المجتمعات الغربية، لأنه يعني عندهم أنه من الطبقة المثقفة والمتابعة وأصحاب الرؤى، حرص جيش كبير من الدعاة والعلماء في مجتمعاتنا على محاولة جعل صفة السياسي مذمة لا تليق بالمسلمين التقاة ولا بحملة رسالة الإسلام!

 

فقالوا إن السياسة نجاسة، وإن السياسة فن الكذب والخداع، وهذا لا يليق بالمسلم والتقي والداعية، لذا على هؤلاء نبذ السياسة والحرص على عدم توسيخ الدين بالعمل السياسي، حتى لا تختلط النجاسة بالطهارة فتفسدها.

 

وهذه الدعوات مع الأسف لم يكن مردها الجهل أو قلة العلم، بل الاستعمار والمؤامرة. فالغرب حرص على إبعاد الإسلام والمسلمين عن العمل السياسي حتى لا ينازعه أحد في هيمنته على البلاد الإسلامية، من خلال الحكام الذين جعلهم خدماً ونواطير لمصالحه في بلادنا.

 

فاشتغال المسلمين وخاصة المخلصين والدعاة وحملة الدعوة بالسياسة يعني بالضرورة مزاحمة العلمانيين والعملاء والرويبضات وأبواق الغرب وأدواته على العمل السياسي، ويعني إخراجهم من المشهد آجلا أو عاجلا. لذا تقصد الغرب شن تلك الحملة لتحقيق غايته بإدامة الاستعمار وحكم الرويبضات في بلادنا.

 

ولكن الحق أن السياسة هي من أنبل الأعمال وأهمها، والإسلام نفسه هو دين سياسي، فالعقيدة الإسلامية هي عقيدة روحية سياسية.

 

لأن السياسة معناها رعاية الشؤون وليس الكذب أو الخداع، وإنما الرأسماليون هم الكذابون والمخادعون، وذلك لأن مبدأهم الذي يسوسون الناس به هو مبدأ فاسد مفسد، فهو ما يدفعهم ويحثهم على الكذب والخداع لتحقيق غاياتهم، ولذلك سطروا قواعد من مثل "الغاية تبرر الوسيلة"، و"خذ وطالب"، و"لا أخلاق في السياسة"، وساروا عليها.

 

وفساد مبدئهم آت من كونه مبدأ وضعه البشر وليس رب البشر، وأنى للبشر أن يتمكنوا من تشريع ما يصلحهم!

 

أما الإسلام، فهو مبدأ رباني، فتأملوا معي حديث رسول الله ﷺ: «كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأنْبِيَاءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وإنَّه لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ، قالوا: فَما تَأْمُرُنَا؟ قالَ: فُوا ببَيْعَةِ الأوَّلِ، فَالأوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فإنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ».

 

فقد نص الحديث على أن الأنبياء كان عملهم السياسة، سياسة الناس بشرع ربهم. فخير الناس وأعلاهم شأنا وأفضلهم أخلاقا وهم الرسل والأنبياء كانوا سياسيين، يرعون شؤون أقوامهم بشرع ربهم، فهل بعد ذلك يصح أن ينطلي على أحد خاصة المسلمين أن السياسة نجاسة أو تياسة كما يزعم الأفاكون؟!

 

وزاد حديث رسول الله ﷺ على ذلك، بأن أوكل مهمة السياسة ورعاية شؤون الخلق بعد انقضاء زمن الأنبياء إلى الخلفاء، وهم ولاة أمور الناس.

 

ومن يلي أمور الناس عند المسلمين الأصل أن يكونوا خير الناس، ليأخذوا بأيديهم ورقابهم إلى عبادة الله وطاعته، ويصلحون معاشهم وحياتهم، تماما كما فعل رسول الله ﷺ وسار على دربه صحابته الكرام، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وباقي خلفاء الأمة الصالحون المصلحون.

 

فالاشتغال بالسياسة يعني الاشتغال بما يصلح الناس ويرعى شؤونهم وفق ما يرضي ربهم، والإسلام هو دين سياسي لأنه يرعى شؤون الناس وينظم حياتهم.

 

والسياسة تكون من الحكام تطبيقا وتنفيذا، ومن الأمة والأحزاب والدعاة محاسبة ودفعا لهم للاستقامة وتطبيق شرع الله.

 

وأختم بصدر خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه عند توليه الخلافة والتي رسم فيها العلاقة السياسية بين الحكام والرعية رسما دقيقا، حيث قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: "أما بعد أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني".

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس باهر صالح

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

عمن تأخذ دينك؟

 

 

يكاد الكثيرون إن لم يكن الجميع قد سمع يوما ما مقولة: "ضعها في رقبة عالم واطلع منها سالم". فهي مقولة مترددة كثيرا في أوساط عامة الناس على نحو يشعرنا بأن انتشارها لم يكن عفويا وإنما بفعل فاعل.

 

ولا شك أن هذه المقولة إن تحولت إلى قناعة لدى المسلم فهي مصيبة، لأنها ببساطة تحول المسلم إلى مجرد تابع للعلماء والقامات والمراجعات التي تتم صناعتها وبناؤها من الأنظمة لتحقيق غاياتها في إحكام السيطرة على الشعوب.

 

فأسهل الطرق للسيطرة على الشعوب أن تجعل لها مرجعيات أو بابويات تضفي عليها القداسة وهالة الاحترام والإكبار، ثم من خلالها تستطيع قيادة الناس إلى الجهة التي تريد والوجهة التي تناسبك بكل بساطة وأريحية. وهذا ما فعلته الأنظمة في بلاد المسلمين.

 

فجاءت تلك المرجعيات، لتفتي بحرمة الخروج على الحكام، وجواز طاعتهم حتى في المعصية من باب أهون الشرور ودرء الفتن، وتجيز للحكام الحكم بغير الإسلام بحكم الضرورة وعدم القدرة، وتجيز للأنظمة مشاركة الكفار في الحرب على المسلمين، في العراق والشيشان وأفغانستان، وتحرم على الناس الأحزاب والتكتلات حتى لا يتشكل جسم يستطيع خلخلة النظام، وتفتي كذلك بجواز الربا والبنوك الربوية وما يسمى بالبنوك الإسلامية بحكم الضرورة ونظام الحياة المعاصر، وتجيز للحكام منع الزواج دون سن الثامنة عشرة، وغيرها الكثير من الفتاوى والأفكار التي تطول قائمتها.

 

وبذلك تكون الأنظمة قد صنعت للناس أصناما ليعبدوها من دون الله دون أن يحسوا بذلك، بل منهم من يظن أنه باتباعه لفتاوى أولئك العلماء قد أحسن صنعا وعبد الله. وهذه كارثة.

 

تأملوا معي حديث رسول الله ﷺ، إذ «قدمَ عليه عديُّ بنُ حاتمٍ وهو نصرانيٌّ فسمعه يقرأُ هذه الآيةَ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ قال: فقلتُ له: إنَّا لسنا نعبدُهم، قال: أليسَ يحرمونَ ما أحلَّ اللهُ فتحرِّمونَه، ويحلُّونَ ما حرَّمَ اللهُ فتحلُّونَه؟ قال: قلتُ: بلى، قال: فتلك عبادتُهم».

 

فواضح من الحديث النبوي الشريف أن مسألة التحليل والتحريم مسألة ليست سهلة، فهي منازعة لرب الأرباب، وواضح أن من يأخذها من عند غير الله يقع في مصيبة كبيرة.

 

لذلك فإن مسألة التساهل في التسليم للعالم أو الفقيه أو المفتي مسألة خطيرة، فكما أن الإنسان في أمور حياته تجده يجتهد ويجتهد في أن يصيب الخير ويحقق النجاح ولا يتخذ قرارا حتى لو يسيرا إلا بعد إمعان نظر، ويحرص على ألا يضحك عليه أحد أو يستغفله، فإن الأصل أن يكون حرصه في أمور الدين أشد وأشد.

 

فلا يجوز للمسلم أن يأخذ دينه عن عالم لمجرد صفته ولقبه وبروزه، بل يجب عليه أن يتحرى أن يأخذه عن الأتقى والأنقى والأعلم. فلا تكفي غزارة العلم مثلا دون التقوى. لذلك قال الغزالي رحمه الله: ولو كان في العلم دون التقى شرف *** لكان أشرف خلق الله إبليس. فلا ينخدعن أحد بالشهادات والألقاب التي صنعت ووضعت لكثير من العلماء والهيئات، بل إن أبرزها وضعت لغاية إفساد الدين على الناس.

 

وأختم بقول ابن سيرين رحمه الله، في صحيح مسلم عن محمد بن سيرين قال: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم".

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس باهر صالح

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

كيان يهود يخشى من جيش الكنانة

فهل من مجيب يا أهل القوة والمنعة في مصر (أم الدنيا)؟!

 

أعرب رئيس أركان جيش كيان يهود المنتهية ولايته، هرتسي هاليفي عن قلقه مما أسماه "التهديد الأمني من مصر"، معتبرا أنه لا يشكل تهديداً حاليا لتل أبيب، لكن الأمر "قد يتغير في لحظة"، وفق إعلام عبري. جاء ذلك في تصريحات له أمام دورة خريجي ضباط في مدينة حولون (يازور) وفق ما أفادت قناة 14 العبرية الخاصة.

 

ليست هذه المرة الأولى في الآونة الأخيرة التي يعلن فيها مسؤول في كيان يهود تخوفه من الوضع العسكري لمصر، إذ أعرب مندوبه الدائم في الأمم المتحدة، داني دانوب عن مخاوف كيانه بشأن تسلح الجيش المصري. ففي نهاية كانون الثاني/يناير الماضي 2025م، قال دانوب: "ليس لديهم أي تهديدات في المنطقة لماذا يحتاجون (المصريون) إلى كل هذه الغواصات والدبابات؟" وتابع: "نحن قلقون جداً بشأن هذا الأمر"، واستدرك "هذا ليس من أولوياتنا ويجب أن نقول ذلك". ومضى رئيس الأركان قائلا: مصر لديها جيش كبير مزود بوسائل قتالية متطورة، وطائرات وغواصات وصواريخ متطورة، وعدد كبير للغاية من الدبابات والمقاتلين المشاة". (وكالة الأناضول، 27/02/2025م).

 

طالما كنا نسمع مقولة (مصر أم الدنيا)، فهي حقا أم الدنيا، فإذا نظرت إلى موقعها الجغرافي، والجيوسياسي فإنك تصدق هذه المقولة. إنها أم الدنيا لأنها تقع في قلب العالم، فهي جغرافياً تتوسط الشرق الأوسط، وتتمتع برابط مائي مهم لكل العالم؛ فالبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، إلى البحر الأحمر، إلى المحيط الهادي، إلى دول شبه القارة الهندية واليابان وأستراليا وإندونيسيا. ومن البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي، نحو غرب أوروبا وسواحلها، وبريطانيا ودول البلطيق، والأمريكيتين وغرب أفريقيا إلى سيراليون وليبيريا والكونغو وأنجولا، فهي كبيضة القبان ضابطة لواقع العالم مائيا. فمن يسيطر عليها يمكن أن يتحكم في جزء من حركة العالم في المنطقة.

 

أما جيوسياسياً، فهي تمثل ورقة ضغط قوية لمن يمتلك زمام المبادرة، إذا استطاع أن يسيطر عليها، فهي مفتاح النصر، ولي الذراع لمن يمتلك مصر أم الدنيا.

 

إن تصريح رئيس هيئة أركان يهود المنتهية ولايته، ينم على تخوف حقيقي، وبعد استراتيجي بعيد المدى، لتحطيم آمال كيانهم، وكسر أمنه من دول الجوار، وإزالته نهائيا، ومسحه من الوجود. هذا التخوف، يشكل هاجسا عميقا في أروقة القيادة العسكرية والسياسية في هذا الكيان المسخ.

 

ورغم استدراكه وزعمه بأن هذا الأمر ليس من أولوياتهم، إلا أن علمه بحقيقة كيانه أجبرته على هذا التصريح، وقراءة أمنية لمستقبل كيانه اللقيط الهش، ولولا خيانة حكام المسلمين، وحبل من أمريكا وأوروبا، لكان أثرا بعد عين، فهو يريد أن يدق ناقوس الخطر لأسياده الأمريكان والبريطانيين، الذين جاءوا به من الشتات، ليجدوا له مخرجا عند ساعة انقلاب الواقع، وعبر عنه أنه يتم فجأة دون سابق إنذار، وهذا ما تخوف منه هرتسي. بل يريد تأمين مستقبل كيانه لمدى بعيد. إنه يدرك قدوم المارد العملاق دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي ستحدث فرقا كبيراً في المنطقة، إذ إنها ستلم شعث هذه الأمة، وتجمع شملها، فتوحدها تحت راية العقاب، يسوسها خليفة واحد بكتاب الله وسنة رسوله الله ﷺ، وتعلن الجهاد ضده، وهو يدرك تعاضد أمة الإسلام ضده وتسخير قدرات مصر للمنطقة، ومدى تأثير ذلك على يهود.

 

إنه لمن المؤسف حقا أن يدرك قادة يهود العسكريون مستقبل كيانهم المظلم المنتهية إقامته الجبرية على أرض الإسراء والمعراج، ولا ندرك نحن عظمة المرحلة وتطورها لصالح الأمة، خاصة أهل القوة والمنعة في بلاد المسلمين، وخاصة أم الدنيا (مصر) كنانة الله لا كنانة يهود ولا أمريكا، وأن ساعة النصر قد دقت، وأن الوقت قد آن، وأن الأمة قد تهيأت، وأن الظروف السابقة قد تبدلت، وأن زمام المبادرة قد آل لكم يا أهل والقوة والمنعة، فماذا تنتظرون إخواني أصحاب النياشين.

 

إن كيان يهود بدأ يتحسس رأسه، وبدأ يحس أن فترة إقامته قد انتهت، فماذا أنتم فاعلون؟ لقد قدم لنا قراءة سياسية هادئة في طبق من ذهب، ليس من باب المناورة والاستدراج، لكن قراءة بالغة في الدقة من حيث الصواب لواقع يعيشه قادة يهود العسكريون، على عين بصيرة من زوال قادم، يهد صرح بنيانهم من قواعده؛ بعد تطورات أحداث المنطقة بدءا من عملية طوفان الأقصى، وذهاب سوريا بفكرة الممانعة، وموت حزب إيران اللبناني، وتململ المسلمين من أقصى غربهم إلى أقصى شرقهم، زمجرة تزلزل الدنيا وما فيها من منافقين وكفار. إن مثل هذه القراءة محفزة لأهل القوة والمنعة، لإسراع الخطا والتوكل على الله تعالى أولا، ثم حزب متمرس في السياسة وله باع طويل في بحورها، قادر أن يدير دفة المرحلة بامتياز، إنه حزب التحرير.

 

إن أهل مصر تعتصر قلوبهم ألما صعبا، تحملوه عبر سنوات تطاولت عليهم، من جرائم يهود على إخوانهم المسلمين في فلسطين، الأرض المباركة، وهم يعيشونها لحظة بلحظة، بل الأمة الإسلامية كلها دون تمييز، منتظرين من أهل القوة والمنعة أن يعلونها خلافة راشدة على منهاج النبوة، وأن يقولوا قولتهم؛ وذلك بفك الارتباط مع حكام خونة باعوا دماء الأمة في بهو البيت الأبيض، والكرملين ومجلس العموم البريطاني. بل ذهب هؤلاء الحكام أبعد من ذلك ملتزمين بحراسة يهود، وبيع ثروات الأمة بل دينها العظيم الإسلام، مقابل كراسيهم المعوجة قوائمها. فهلا نصرتم أمتكم، استجابة لربكم يا أهل القوة والمنعة في أرض الكنانة مصر (أم الدنيا).

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الشيخ محمد السماني

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...