اذهب الي المحتوي

مقالات من المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير - متجدد


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أمريكا تنهي الجدل حول امتلاك إيران السلاح النووي

 

قامت أمريكا فجر يوم السبت 21/6/2025 بغارات جوية وصاروخية موجهة إلى ثلاثة مواقع لمحطات نووية في إيران مستخدمة قنابل قادرة على اختراق خرسانات مسلحة بعمق 80 مترا. وأعلن ترامب أن المنشآت النووية دُمرت بالكامل.

 

إن ما تقوم به أمريكا من أعمال عدوانية على بلاد المسلمين سواء مباشرة كما حصل في عدوانها الشرس على إيران أو من خلال دعمها الكامل والمتواصل لكيان يهود الغاصب، أو لدعمها المتواصل لحكام الجور والطغيان في بلاد المسلمين، إن كل هذه الأعمال تضع أمريكا في موقف عدو فعلي وخطير للأمة الإسلامية جميعها. وسيبقى هذا العدوان حاضرا في ذاكرة الأمة العميقة. كما أن الاختلاف المذهبي أو العرقي بين إيران وغيرها من بلاد المسلمين لن يكون مبررا أبدا لقبول عدوان أمريكا والكيان الغاصب على إيران.

 

ومع هذا فإن الناظر بعين بصيرة ومن الزاوية السياسية يرى بشكل واضح أن أمريكا تدخلت بضربة نوعية في الحرب القائمة، من أجل إيجاد ظرف ملائم لإحداث مفاوضات تؤدي إلى اتفاقية سلام بين كيان يهود وإيران. وقد تم التقديم لمثل هذا من قبل من خلال تخلي إيران عن حزبها وذراعها في لبنان وعن وجودها في سوريا والذي كان تحت غطاء حماية بشار الأسد. ولما أصر كيان يهود على ضرب آخر شكل من أشكال الخطر الإيراني والمتمثل بالصناعات النووية والتي قد تفضي إلى امتلاك السلاح النووي، وحرمان إيران من أن تكون القوة النووية الثانية في الشرق الأوسط، عندها تدخلت أمريكا لتنهي هذه الحجة لدى كيان يهود.

 

فجميع التصريحات التي وردت على لسان ترامب، جاءت لتبين أن الغاية من استمرار الحرب بين إيران والكيان لم تعد قائمة. فلا بد من الهدنة والذهاب إلى مفاوضات. وهو ما تم الإعلان عنه صباح الثلاثاء 24/6/2025 أي بعد ثلاثة أيام من الضربة الأمريكية لإيران، وبعد قيام إيران بضرب قاعدة العديد في قطر ليلة 23/6/2025، والتي كانت أمريكا قد أخلتها من الأهداف التي قد تلحق الضرر بالقاعدة. فكانت الحملة الصاروخية على قاعدة العديد بمثابة حفظ ماء وجه إيران لتقبل بهدنة تتبعها مفاوضات سلام بعدما تلقت ضربة قاسية.

 

وفي المقابل فإن الأنباء القادمة من إيران وحول منشآتها النووية تشير إلى أن إيران كانت قد اتخذت خطوات مهمة لحماية المفاعلات، ومخزون اليورانيوم المخصب. ما يعني أن قدرة إيران النووية الحقيقية لم يتم إنهاؤها بالكامل، وفي أسوأ حالاتها قد تم تأخير امتلاك القنبلة النووية لبعض الوقت، وقد يصل إلى سنتين أو ثلاث حسب بعض التقديرات التقنية.

 

والمؤكد من خلال هذه الأحداث أن الكيان الغاصب كان ولا يزال يسعى أن يبقى هو القوة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك أسلحة استراتيجية، خاصة النووية منها، ويعتبر أن وجود مثل هذا السلاح بيد أي قوة أخرى في الشرق الأوسط هو خطر على وجوده. ولكن في الوقت نفسه ليس من المؤكد أن أمريكا تحمل التوجه نفسه الذي يحمله الكيان. فأمريكا ومنذ عام 1952، أي منذ مجيء مصدّق رئيسا لوزراء إيران، قد سعت لبسط نفوذها السياسي على إيران. وقد تمكنت من ذلك من خلال ثورة الخميني سنة 1979، والتي مكنت أمريكا من العمل على استئصال النفوذ البريطاني من إيران، والحيلولة دون امتداد النفوذ السوفيتي في حينها إلى إيران. ويشير تقرير مفصل نشرته مجلة الشؤون الخارجية التابع لمعهد بروكينغز بتاريخ 7/1/2019 تحت عنوان "الجغرافيا السياسية الجديدة للشرق الأوسط: الدور الأمريكي لتغيير الإقليم"، إلى أن أمريكا تفكر جديا من أجل استقرار الشرق الأوسط بشكله الجغرافي والسياسي الجديد، بالاعتماد على معادلة 4+2 والتي تضم تركيا وإيران وكيان يهود والسعودية بالإضافة إلى أمريكا وروسيا، والتي تشكل تحالفا من نوع معين للحفاظ على أمن واستقرار الشرق الأوسط. وعلى أي حال سواء ذهبت أمريكا بهذا الاتجاه أو غيره، فهي لا يمكنها أن تتخلى عن إيران بعد أن أوجدت لها نفوذا قويا داخلها، وقد اعتمدت عليها حتى الآن بشكل فعال في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان واليمن، وفي الوقت نفسه لن تسمح بالتهديد الوجودي لكيان يهود.

 

من هنا يمكن إدراك أن ما قامت به أمريكا من عمل عسكري في إيران، وما سبقه من اشتعال حرب صواريخ بين إيران وكيان يهود كان مقدمة لإنهاء حالة الحرب والدخول في مفاوضات قد تطول من أجل استكمال أمريكا لمشروعها القديم الجديد في الشرق الأوسط، ليبقى تحت نفوذها وسيطرتها والحيلولة دون قيام أي مشروع آخر يهدد المصالح الأمريكية ونفوذها في الشرق الأوسط.

 

وما حديث أمريكا عن الاستقرار في الشرق الأوسط إلا وفي قرارة خلدها أن تهديد الاستقرار من منظورها الحقيقي هو ظهور نظام جديد في المنطقة لا يخضع ولا يقبل الخضوع لأي سلطان خارجي. وليس هذا ممكنا إلا من خلال ظهور دولة الخلافة في المنطقة. وهذا الذي بدا من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر. فقد رأينا وسمعنا تصريح وزير خارجية أمريكا السابق بلينكن حين فر بشار من سوريا وتقدم الثوار من إدلب باتجاه دمشق حين قال "كل شيء مقبول إلا الخلافة". ومثله ما جاء على لسان رئيس وزراء الكيان في أكثر من مناسبة "لن نسمح بقيام خلافة إسلامية".

 

فالذي تسعى إليه أمريكا في نهاية المطاف هو أن تعيد ترتيب الشرق الأوسط بعد أن قلصت النفوذ البريطاني إلى أقل مستوى له، تعيد ترتيبه لسنوات عديدة قادمة تضمن به سيادتها ونفوذها على مقدرات المنطقة ومواردها، وتضمن عدم ظهور أي نظام جديد، خاصة المبني على أساس الإسلام.

 

هذا ما تسعى له أمريكا ومعها عملاؤها وأشياعها. أما ما تريده الأمة وتصبو إليه فهو إعادة خلافتها، وتحقيق وحدتها، والاحتكام إلى شريعة ربها. فقد أدركت الأمة أن سبب القهر والذل والتشريد والقتل الذي تعيشه ما هو إلا نتيجة طبيعية لفقدانها للراعي الذي يرعاها بحق، واستبداله بمن يُدخل الذئاب إلى حظيرتها، ليسومها سوء العذاب. فقد ذاقت الويلات بشتى أنواعها على يد أعدائها بتمكين كامل وتواطؤ من الملوك والأمراء والرؤساء بشتى أصنافهم وأشكالهم وتبعياتهم.

 

وبين ما تسعى إليه أمريكا، وبين ما تريده الأمة وتصبو إليه يبقى الفصل والفيصل في هذا لإرادة من لا تردّ إرادته، وقوة من لا قِبَل لأحد بقدرته، وحكم من لا حاكم بعده، لله العلي القدير، الفعال لما يريد، القاهر فوق عباده، فالعاقل والمؤمن من كان في جنب الله وفي صفه، وتوكل عليه حق التوكل.

 

﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. محمد جيلاني

رابط هذا التعليق
شارك

  • الردود 230
  • Created
  • اخر رد

Top Posters In This Topic

  • الناقد الإعلامي 2

    231

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الاقتتال في السودان يستعر

بينما الحكومة تنشغل بحصص الوزارات!

 

ينشغل رئيس الوزراء السوداني د. كامل إدريس، الذي أدى القسم رسمياً، يوم السبت 31/05/2025م، رئيساً لمجلس الوزراء السوداني، أمام رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، ينشغل بمشاورات مكثفة لتشكيل حكومته؛ التي سماها حكومة الأمل، محاولاً العبور بها مع ما تعترضه من مشاكسات؛ حيث دفعت قوى سياسية متحالفة مع الجيش السوداني بمذكرة إلى رئيس الوزراء، مطالبة بإشراكها في المشاورات السياسية قبل الإعلان المرتقب للحكومة الجديدة، واعترضت كذلك أطراف رئيسية في تحالف الكتلة الديمقراطية على إقصائها عن المشاورات، قبل إعلان كامل إدريس رئيسا للوزراء. (سودان تربيون، 22 حزيران/يونيو 2025 م).

 

والعقبة الأخرى الكؤود أمام تشكيل الحكومة، هي أطراف اتفاق جوبا للسلام، حيث كشف رئيس حركة تحرير السودان؛ المشرف العام على القوة المشتركة، مني أركو مناوي في تصريحات لسودان تربيون، عن اجتماعات مكوكية مع رئيس مجلس السيادة؛ عبد الفتاح البرهان، ناقشت مصير الشراكة، وقال المشرف العام للقوة المشتركة وحاكم إقليم دارفور: "لم نناقش موضوع الحصص حتى الآن، ورأينا أن نحسم أولا مسألة الشراكة"، وأشار مناوي إلى أن الاجتماع انتهى بالتأمين على اتفاق جوبا، لكنه عاد وقال إن الكرة الآن في ملعبهم، ودافع مناوي عن سعيهم للحفاظ على الشراكة وفقا لاتفاق جوبا، قائلا: "مناقشة قضايا السلطة وتوزيعها كما نصت عليه الاتفاقيات هو من صميم العمل السياسي الذي خرجنا لأجله ودفعنا فيه ثمنا باهظا"، وتابع "هذا ليس أمرا مخجلا".

 

بالطبع فإن هذه الأطراف المتصارعة على السلطة، تعلن بلا خجل، عن بيع دماء أهل السودان وأعراضهم، في مزاد الاستوزار العلني، ولا يهمهم ما يعانيه أهل السودان من ويلات هذه الحرب القذرة، التي لم يسلم منها حتى الشجر والحجر، ولا تزال الحرب مستعرة، ونتج من جرائها أزمات إنسانية واقتصادية واجتماعية بأشكال غير مسبوقة، فها هي المتحدثة باسم بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان، منى رشماوي، في بيان عن الحرب الدائرة تقول: "ما يجري في السودان ليس فقط أزمة إنسانية، هو أزمة الإنسانية بذاتها" (مونت كارلو، 18/06/2025م). وقال رئيس هذه البعثة، محمد شاندي عثمان: "إن المدنيين ما زالوا يدفعون الثمن الأكبر"، معترفاً بأن النزاع يزداد "تعقيدا ووحشية".

 

وبينما يدور الصراع على السلطة في بورتسودان، تواصل قوات الدعم السريع تمددها في دارفور، حيث أفادت في بيان في 14/06/2025م، بأنها تمكنت من "تحرير منطقة المثلث الاستراتيجية، التي تقع في أقصى شمال غرب الفاشر، وتُشكّل نقطة التقاء محورية بين السودان وليبيا ومصر، في خطوة نوعية"، ويواصل الدعم السريع حصاره على مدينة الفاشر التي يستهدفها منذ سنة، ليعلن بعد استلامه لها السيطرة الكاملة على دارفور، وهذا ما نتوقعه، لا قدر الله إذا سارت الأمور على النحو الحالي، فقد جاء في جواب سؤال أصدره العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة بتاريخ 21/05/2025م: (والمتوقع هو أن تشتد الهجمات على مدينة الفاشر وأن تتراجع قطاعات الجيش التي كانت في طريقها لنصرة مدينة الفاشر، وأن يأخذ مجلس السيادة وقتاً لترميم هذا الخراب شرقي السودان، ولا يرجح أن تبدأ مفاوضات جدة من جديد قبل سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، أو يكون لها الثقل فيها، وهي مهمة في دارفور، وعندها تصنع أمريكا توازناً للقوة والسيطرة بين القوتين السودانيتين (الجيش والدعم السريع)، حتى إذا استؤنفت مفاوضات جدة يكون الدعم السريع قد خلع ثوب الهزيمة ووقف واثقاً من قوته وثبات سيطرته وقد أسس حكومة أمر واقع في دارفور، أي خلق الظروف المناسبة لإنضاج التقسيم، وصيرورته أمراً واقعاً يجب التسليم به).

 

وما تجدر الإشارة إليه، هو أن الدعم السريع كان قد وقع اتفاقا مع الحركة الشعبية شمال في نيروبي في نيسان/أبريل 2025م، وأسس تحالفا سياسيا، وعسكريا تحت مسمى "تحالف السودان التأسيسي"، الذي أبرز الكثير من التساؤلات حول متانة هذا الحلف بين الحركة، وبين الدعم السريع. وينظر العديد من الفاعلين داخل الحركة إلى حميدتي بعين الريبة، ويتخوفون من سعيه لبسط سيطرته على منطقة جبال النوبة، العمق الاستراتيجي للحركة الشعبية شمال - جناح الحلو. وقد يكون المحللون على صواب، فكأن هذا التحالف هو تحضير مبكر، لنقل المعارك إلى هناك في حال فشل الدعم السريع في الاستيلاء على دارفور، أو نشط المخلصون في الجيش في إعادة السيطرة على دارفور، ففي هذه الحالة قد يواصل الدعم السريع معارضته، ومعاركه العسكرية من جبال النوبة، أو من أجزاء أخرى من كردفان.

 

لقد أنهكت هذه المعارك أهل السودان، ودمرت نسبا كبيرة من البنى التحتية في البلاد. تقول الأمم المتحدة إن إقليم دارفور يعاني من أزمة عميقة، حيث يحتاج 79% من سكانه إلى مساعدات إنسانية وحماية. فبدلاً من أن تسعى الحكومة لوأد هذه الفتن والمصائب والويلات، وإعلان وقف إطلاق النار بأعجل ما يكون، وفق الأحكام الشرعية المتعلقة بالاقتتال بين المسلمين، بدلاً من ذلك، تغض الطرف عن حسم المعارك، وتنشغل بالصراع حول كراسي السلطة المهترئة، ولا يهمها حتى علاج المرضى، ولا توفير الأمن والاستقرار، بل حولت البلاد إلى مسرح لتدخلات الدول الطامعة وشركات الاحتكارات الكبرى لنهب ثروات الأمة. وقد نزح جل أهل السودان، ولجأوا إلى دول الجوار، بعد أن فقد أكثرهم كل ما يملكون، فأصبحت المنظمات الدولية والإقليمية تعدّ الفقراء عدّاً وتتحدث عن الجوع والمرض وتذرف دموع التماسيح، لعلها تجد مدخلاً لأسيادها للتدخل في إدارة شؤون السودان، فقد أوردت وكالة السودان للأنباء (سونا) في 27/6/2025م، أن رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق البرهان قد تلقى اتصالا هاتفياً من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عبر فيه عن ترحيبه بتعيين الدكتور كامل إدريس رئيساً للوزراء... و(دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى إعلان هدنة إنسانية لمدة أسبوع في محلية الفاشر دعما لجهود الأمم المتحدة وتسهيل وصول الإغاثة للآلاف من المواطنين المحاصرين هناك، وهو ما وافق عليه رئيس مجلس السيادة مشدداً على أهمية تطبيق قرارات مجلس الأمن التي صدرت في هذا الخصوص).

 

إنه لمن المؤلم جدا أن يتصارع حكام بلادنا على السلطة، ويفسحون المجال لتقوم منظمات الكفر برعاية شؤوننا، والتدخل في سياساتنا، بل ويرحبون بقرارات تمكن من نفوذها في بلادنا، ويتوقون إلى الاحتكام لما يسمى بالشرعة الدولية، بينما تتوق الأمة، حين التخاصم والنزاع، إلى أحكام الإسلام التي تخرجهم من الظلام إلى نور الإسلام. فهلا وجد في الجيش من يخلص لله، وينصر الدين ويقيم شرعة رب العالمين؟!

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

يعقوب إبراهيم (أبو إبراهيم) – ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وقفة مع آية ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾

 

نزل هذا النداء العظيم في سورة آل عمران يأمر الأمة كلها أن تتوحد، لكن على أساس واحد، وهو حبل الله، أي الإسلام، أي القرآن والسنة وما أرشدا إليه من نظام حياة.

 

﴿وَاعْتَصِمُوا﴾: أمرٌ جامعٌ بشدّ التمسك، لا بمجرد اللقاء الظاهري. ﴿بِحَبْلِ اللهِ﴾ لا بأحزاب ديمقراطية، ولا بهويات قومية، بل بما أنزله الله. ﴿جَمِيعاً﴾ لا جماعة دون جماعة، بل الأمة كلها على قلب رجلٍ واحد. ﴿وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ لأن التفرّق هو سبب الضعف، وهو أداة المستعمر الأولى.

 

لكن ما الذي حدث اليوم؟ مع الأسف نُزع حبل الله من الحكم، وصار الحكم بغير ما أنزل الله، ونحن متفرقون بسياسة سايكس بيكو وأعلامها الوطنية والاستقلال المزعوم، وتجزأت بلادنا إلى أكثر من خمسين كياناً، كل كيان يدّعي السيادة، وهو لا يملك من أمره شيئاً!

 

هذه الآية توجب على المسلمين الحفاظ على وحدتهم، وهي تمثل منهجاً يجب أن يسيروا عليه. لكن علماء السلطان لعبوا دوراً مهماً في تأويل الآية بما يتماشى مع واقع حكامهم حتى لا يتسنى للمسلمين العودة إلى هذا المنهج أو حتى معرفتهم لواجبهم الحقيقي. وأصبح تقسيم الأمة ووضع أنظمة الغرب الكافر أمراً مقبولاً لديها، بمن فيهم أصحاب الشهادات العليا. فصارت الديمقراطية من الإسلام بفتوى مشايخ وترويج لبعض الفئات دون أن يكون لهم أي مرجع شرعي! وهذا كذب وزور لأجل مصالحهم الشخصية. وهناك من يفتون بفتاوى تدوي في الأرض والسماء دون أن يشعروا بما يقولون، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾!

 

نعم لقد تم تدمير مقومات الأمة الفكرية والمادية في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليم وغيرها... وحتى في الجانب العسكري والثروات وكل شيء، وفي الحقيقة إن الوحدة الحقيقية لا تكون إلا بالاعتصام بحبل الله: بوحدة الدين، ووحدة الدولة، ووحدة الحاكم (الخليفة). حينها فقط تستعيد الأمة قوتها، وتنهض كما نهضت من قبل، وتفتح الأرض بدين الله.

 

فلنعتصم بحبل الله كما أمرنا، ولنخلع كل الحبال البشرية، فطريق النهضة واحد، وهي الخلافة الراشدة التي تجمع الأمة كلها تحت راية العقاب. فالخلافة هي فرض ربكم سبحانه وبشرى نبيكم ﷺ ومبعث عزكم وقاهرة عدوكم وهي ناشرة الحق والعدل في العالم، فكونوا من العاملين المخلصين لإقامتها. ألا تشتاق أنفسكم للاعتصام بحبل الله والجهاد في سبيله؟! أين منكم "وا معتصماه" في ظل تخاذل حكامكم، بل وخيانتهم لكم؟!

 

إن الدعوة إلى إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي يعمل لها حزب التحرير تتجاوز الحدود الزائفة التي رسمها الاستعمار بين بلاد المسلمين بعد هدمه الخلافة العثمانية، فهي دعوة عالمية لكل المسلمين في الأرض؛ بل والاعتصام بحبل الله المتين فهي رئاسة عامة لهم، وقد أعد لها الحزب مشروع دستور مستنبط من الكتاب والسنة، يتضمن مواد في الاقتصاد والسياسة الخارجية والحرب والاجتماع والتعليم والصحة والمالية وكل ما يلزم للتطبيق العملي من اليوم الأول لإقامتها بإذن الله، والذي باتت بشائره ظاهرة وتتوق لها جموع المسلمين.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤيد الراجحي – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الهجرة نقلت المسلمين من حالة الضعف إلى مركز القوة والمنعة

 

يمر علينا عام هجري جديد، يذكرنا بالهجرة النبوية الشريفة، ذاك الحدث الذي غير موازين القوى، ونقل المسلمين من حالة الاستضعاف والمطاردة والمحاصرة إلى مرحلة الدولة والتمكين.

 

فالهجرة سبقتها أعمال عظيمة وخطوات مهدت لها ولإقامة الدولة، وهذه الأعمال هي:

 

1- مرحلة التثقيف والإعداد للرجال وإيجاد الشخصية الإسلامية في عقليتها ونفسيتها، وتكتلهم على أساس عقيدة الإسلام، والخروج بهم، بعد ثلاث سنوات، في صفين في الحرم بتنظيم لم يعهده العرب من قبل، استجابة لأمر الله ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾.

 

2- مرحلة التفاعل مع المجتمع، وذلك بخوض الصراع الفكري، والكفاح السياسي، وهذه المرحلة اشتد فيها الابتلاء وكثرت المصائب على الرسول ﷺ، والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، حيث كان التكذيب والتعذيب والاستهزاء والدعاوة المضادة والقتل والحصار، فكان الصبر والثبات والسير المستقيم والالتزام بالدعوة والتضحية، هي البارزة في مواقف المسلمين.

 

3- مرحلة طلب النصرة والمنعة، حيث كان النبي ﷺ يغشى القبائل مع أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب، ويطلب منهم الإيمان به ونصرته ليقيم دين الله، فكان منهم من يصده بشكل عنيف، ومنهم من يبدي طمعه في السلطة والنفوذ، فرد عليهم النبي ﷺ «الْأَمْرُ إِلَى اللهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ»، إلى أن قيض الله له الأوس والخزرج فآمنوا به وبايعوه بيعة العقبة الأولى والثانية.

 

وبعد بيعة العقبة الثانية التي تسمى بيعة الحرب والنصرة أمر النبي ﷺ صحابته بالهجرة إلى المدينة. ثم هاجر هو وصاحبه أبو بكر الصديق، وعندما وصلا إلى المدينة استقبله خمسمائة فارس من الأنصار بالسلاح والحماية، ومنذ أن وصل النبي ﷺ المدينة مارس سلطان الحكم، فبنى المسجد الذي كان مركز وإدارة الحكم، وفصل الخصومات، وأرسل الرسائل إلى ملوك الفرس والروم والعرب، يدعوهم للإسلام، وعقد الرايات للسرايا والجيوش، ووضع وثيقة المدينة التي كانت بمثابة الدستور المنظم لعلاقات المجتمع. فتغير وضع المسلمين من حالة الضعف والاضطهاد إلى السيادة والقوة والسلطان.

 

ففي مرحلة مكة كان يمر النبي ﷺ على صحابته وهم يضطهدون ويعذبون ويقتلون وكان يقول لهم «صَبْراً آلَ يَاسِرٍ فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ»، «فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً»، ولكن بعد إقامة الدولة والسلطان تغير تعامل النبي مع اعتداءات قريش على حلفائه من قبيلة خزاعة عندما تحالف مع بني بكر على قتل وحرب خزاعة ومجيء عمرو بن سالم الخزاعي مستنصرا ﷺ، قال له ﷺ «نُصِرْتَ يَا عَمْرَو بْنَ سَالِمٍ». فقام ﷺ بتسيير الجيش وكان فتح مكة وإزالة كيانهم الآثم الذي طالما آذى المسلمين واضطهدهم، وقضى على الشرك والكفر وأصبحت الجزيرة العربية كلها دار إسلام، فكان فتحا عظيما.

 

واليوم ونحن نتنسم عبق الهجرة مع بداية شهر محرم ١٤٤٧هـ، والأمة الإسلامية تعيش حالة الضعف والذلة والمهانة والقتل بالجملة والقطاعي، والفقر والمرض، وانتهاك العرض وتدنيس المقدسات، وبلغت غطرسة أمريكا والغرب وكيان يهود مبلغا عظيما في العدوان وانتهاك سيادة بلاد المسلمين، وصراع الدول الاستعمارية على النفوذ والسيطرة على بلادنا، أن أشعلوا الصراعات وأوجدوا الحروب بين مكونات البلد الواحد بسبب اختلاف الولاءات، وأصبح حال بلاد المسلمين أشبه (بعش القبرة في درب الفيلة)! ذلك العصفور الصغير، الذي يكاد يكون العصفور الوحيد الذي يبني عشه على الأرض وبين المحاصيل الزراعية في حقول القمح، وحينما تنتشر الحيوانات في الحقول بحثاً عن الغذاء تدوس أعشاشه بأقدامها، ولا تملك العصفورة المستضعفة الدفاع عن عشها ولا تملك سوى إرسال زقزقات الاستغاثة ولا مغيث، أما إذا صادف مرور الفيلة في منطقة الأعشاش فإن المصيبة تصبح أكبر فتدفن الأعشاش في التراب وتنتظر القبرة للعام القادم لتبني عشها من جديد على درب الفيلة!

 

فهذا هو حال الأمة الإسلامية بعد أن هدم الغرب خلافتها، ومزقها إلى دويلات كرتونية ضعيفة محققا سياسة فرق تسد، بل أصبحوا يتصارعون في بلادنا من أجل النفوذ والسيطرة ونهب الثروات، فأدى ذلك إلى إشعال الحروب بدفع أهل البلاد إلى الصراع الذي نتيجته الهدم والتخريب والتهجير كما يجري الآن في السودان وفي غيرها من بلاد المسلمين الصراع.

 

إن المخرج من هذه الحال يكون بالاستجابة لأمر الله سبحانه ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾، والسعي الجاد لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، الجامعة للأمة، والتي ستنقلها من الضعف إلى القوة ومن الذل إلى العزة والشموخ.

 

وها هو ذا حزب التحرير يسير على طريق النبي ﷺ مقتديا به في نقل المسلمين من حالة الضعف إلى القوة بالسير على هذه الخطوات:

 

1- مرحلة التثقيف

2- مرحلة التفاعل مع المجتمع

3- مرحلة تسلم زمام الحكم

 

إن الحزب يسير بهذه الخطوات مستبشرا ومتيقنا بنصر الله، راجيا من الله أن يسوق إليه أهل نصرة، فيلتحم أهل المشروع مع أهل النصرة فيتحقق حدث جديد مثل هجرة النبي محمد ﷺ، فتقوم دولة الخلافة الثانية التي توحد بلاد المسلمين وتقضي على نفوذ الغرب وتقطع يده التي طالما امتدت بالأذى والعدوان، وتزيل كيان يهود فتتحقق البشرى، وستكون دولة عالمية تفتح بلاد الكفر وتدك مدنه وتحقق بشرى فتح روما إن شاء الله وبقية مدن وعواصم الغرب، فتحولها من دار كفر إلى دار إسلام. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد الله حسين (أبو محمد الفاتح)

منسق لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مجزرة جديدة في غزة فمتى تتحرك نخوة الأمة؟!

 

رغم تصاعد الأصوات الداعية لوقف حرب يهود على غزة، ما زال جيش يهود يسفك دماء الأبرياء في مخيمات النازحين في خانيونس جنوب قطاع غزة، حيث ارتكب مجزرة جديدة تضاف إلى سجله الأسود.

 

هذا الاعتداء الوحشي الذي وقع في 4 تموز/يوليو 2025، ليس هو الأول، ولن يكون الأخير، فالنظام الدولي وأمريكا تحديداً، يعرفون جيداً أن كيان يهود لا يلتزم باتفاقات، ولا يعير لها أي وزن. ومع ذلك، فإن أمريكا - الداعم الأول للكيان الغاصب - تواصل لعب دور الوسيط الكاذب، والمحتال السياسي، الذي يذرف دموع التماسيح، ويمدّ الاحتلال بالسلاح والمعلومات ليواصل مجازره.

 

أيها المسلمون، يا من وحّدكم الله على كتابه وسنة نبيه عليه وآله الصلاة والسلام، هل تعتقدون أن صمتكم على هذه المجازر سيبقيكم في مأمن من الحساب؟ هل تظنون أن دماء الأطفال، وصراخ الثكالى، ودموع الأمهات تمرّ دون أن تُسجَّل في صحف أعمالكم؟ يقول تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ...﴾، ويقول سبحانه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.

 

أين الجيوش الجرّارة؟ أين الطائرات والصواريخ التي تتفاخر بها الأنظمة العربية؟ أين العلماء الذين صدّعوا رؤوسنا بالحديث عن الحكمة والموعظة، فلم نرَ لهم مواقف إلا في تأييد ولاة الأمر الخونة؟! أين التجار وأصحاب الثروات؟ هل بذلوا شيئاً في سبيل الله كما يبذلون في حمايات المال والسلطان؟!

 

إن شرف الأمة لا يزال حياً في صدور الأحرار، لكن النصر الكامل لن يُنال إلا بتحرك الأمة كلها؛ بتحرك جيوشها في مصر وتركيا وباكستان وغيرها.. بهدم عروش الخيانة والتطبيع التي باعت فلسطين في سوق العمالة، بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي توحد الأمة في كيان واحد، وتحمل الإسلام للعالم بالدعوة والجهاد، وتردّ الصائل وتقطع يد المعتدي.

 

الحل ليس في المؤتمرات ولا في المبادرات، بل في إقامة سلطان الإسلام، وإن كل مبادرة سياسية، بوساطة أمريكية أو غربية، ليست إلا غطاءً لاستمرار الجرائم. ولن يُرفع عن الأمة ذلُّها، ولن يُسترد المسجد الأقصى، ولن تتوقف دماء أهل غزة وفلسطين، إلا بتحرك الأمة على بصيرة، تحت قيادة واعية مخلصة، تتبنى مشروعاً ربانياً لا يهادن الكفر، ولا يقبل أنصاف الحلول. قال رسول الله ﷺ: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» (رواه أحمد).

 

يا أمة الإسلام: أما آن لك أن تستفيقي؟ أما آن لصوت المعتصم وصلاح الدين أن يُسمع من جديد؟ أما آن لك أن تُطهّري أرضك من رجس يهود والعملاء؟ فوالله إنك ستُسألين، وإن التاريخ لن يرحم، وإن الله سائلك عن كل تقصير وخذلان. ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

بهاء الحسيني – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

دعم التفاهة، طوق نجاةٍ للأنظمة، أم الحجر

الذي سيهوي بها إلى القاع؟

 

 


لم يعد يخفى على أحدٍ أن هذه التفاهة المتسارعة التي أصبحنا نلاحظها في كل مكان (تمجيد لاعبي كرة القدم، المغنين، الراقصين، التافهين، الفُجّار،... وإغداق الأموال الطائلة عليهم، وجعلهم النجوم والقدوة والمثل الأعلى)، ليست وليدة الصُّدف، وليست قدراً مقدوراً، ولا نتيجةً طبيعيةً في عالم غول التواصل الإلكتروني، بل هي نتيجة تخطيطٍ ومكرٍ لشياطين الإنس بالليل والنهار، وقد ظهرت كتاباتٌ عديدة في هذا المجال تؤكد هذا الأمر، بل وتُنظِّر له، وتضع أسس وآليات السيطرة على الناس وإغوائهم وإشغالهم و...


وهذا الأمر (نشر وصناعة التفاهة) ليس مقصوراً على العالم الثالث، وإنما هو ظاهرةٌ عالمية، لم تَخْلُ منها بلاد، ما يدل دلالةً واضحةً أن المخطط ليس محلياً وإنما هو عالمي، وأن يداً واحدة هي التي تدبر الأمر ويسير خلفها الباقون سواءً عن قناعةٍ أو عن إجبار.


مما لا خلاف فيها أيضاً أن المقصود من هذا الإغواء أمران أساسيان:


1. إبعاد الناس عن السياسة وانتقاد الحكام والأنظمة، وكل الأمور الجدية، أو كل الأمور الكفيلة بإيجاد تغييرٍ حقيقي، وبالتالي الحفاظ على استقرار الأنظمة، واستقرار الحكام والدول العميقة على عروشهم،
2. دفع الناس إلى مزيد من الاستهلاك الأهوج غير المقنن ولا المبرر، لمزيد من إثراء الشركات الكبرى المتحكمة في دواليب الاقتصاد العالمي،


والسؤال هل يحقق نشر التفاهة بهذا الشكل الغرض المطلوب؟


أما النقطة الثانية، فالأغلب أن الجواب نعم، فيكفي أن مؤثراً أو مؤثرة ما تضع إعلاناً لمنتج معين حتى تتقاطر الطلبات نحوه سواء أكان المنتج مفيداً فعلاً أو لا، وسواء أكان ما قاله فيه المؤثر صحيحاً أم لا، فمن الواضح أن هناك تسابقاً محموماً بين الناس نحو الشكليات وبالظهور بمظهر معين يوافق ما عليه "الترند" أو ما عليه "علية" القوم! فالتفاهة من هذه الناحية شلّت قدرة الناس على التفكير والتمييز، وشلت قدرتهم على اتخاذ القرار، وأحلّت محله ما يسمى روح القطيع، فأنا أشتري ما يشتريه الناس ليس لحاجةٍ عندي وإنما لأن الناس يفعلون أو لأن المؤثر الذي يعجبني فعل، أو لأن امتلاكي لهذا الشيء يجعلني أنتمي لطبقة اجتماعية معينة، وقس على هذا اللباس والأحذية والحقائب، والمطاعم والأسفار والماركات، فالحاجة العملية ليست هي التي تحرك قرار الشراء أو الصرف، بل حتى إذا كان لها أثر، فهو أثر بسيط، ولكن الذي يجعل الشخص يتخذ القرار هو بالأساس ضغط "التفاهة".


فماذا عن النقطة الأولى؟


من المؤكد أن "التتفيه" يوجد عند الناس نفوراً من السياسة وأمور الحكم، فالانشغال بهذه الأمور لا شك يقتضي قدراً كبيراً من الجدية والتفكير والنضال، فضلاً عن أن له تكاليف، فقد يؤدي بصاحبه إلى التضييق في الرزق أو الاعتقال أو... وهذه الأمور لا يمكن أن ينشغل بها من همُّه الأساسي بل والوحيد هو الغرائز والضحك واللهو. لكن الإشكال هو أن إنتاج هذه العينات "التافهة" من الناس بشكل مكثف، يحرم المجتمع من الطاقات التي يحتاج إليها للاستمرار فضلاً عن الرقي والتوسع. فالمجتمعات كي تنهض تحتاج إلى العلماء والمفكرين والأطباء والمهندسين والباحثين، وتحتاج إلى الرجال الأشداء في الجيوش لقتال الأعداء ورسم الخطط والتصدي للمؤامرات، الرجال المستعدين للتضحية بالغالي والنفيس لحماية أوطانهم وأهاليهم. فإذا تم تتفيه الناس، فمن يقوم بهذه المهام؟


أضف إلى ذلك أن التتفيه كما يوجد أناساً خانعين، لا في العير ولا في النفير، فإنه يوجد أناساً ذوي عدوانيةٍ عالية، وهذا ملاحظٌ مشهود، فالمجتمعات حيث تنتشر التفاهة تنتشر فيها الجريمة والشراسة المجتمعية جنباً إلى جنب، فالتافه مستعدٌّ للقتال بضراوةٍ لأتفه الأسباب، ومستعدٌّ للانجرار في صراعٍ دموي والتدمير والتخريب تحت أي راية، طمعاً في المال، أو لمجرد نصرة فريقه في الكرة، أو انتصاراً لابن حارته، أو لأن أحدهم لم يُكلمه كما ينبغي لمقامه الكريم،... وهذا يضيف عبئاً إضافياً على المجتمعات، من حيث وجوب زيادة عديد وإمكانيات الأجهزة الأمنية، الخسائر والأضرار التي تلحق بالممتلكات نتيجة أعمال الشغب، ومصاريف بناء السجون والنفقة على المساجين.


قد يقال، إن قيام المجتمعات ونهضتها لا يقتضي بالضرورة أن يكون كلُّ أفرادها واعين مثقفين وجديين، فيكفي أن يكون فيها نخبةٌ تنطبق عليها تلك الأوصاف وأن تكون هذه النخبة هي التي تتولى الحكم كي تستقيم أمورها. ولكن ما ينبغي الانتباه إليه، أن التفاهة مُغريةٌ مُعديةٌ، فلا توجد ضمانةٌ ألا تتسرّب هذه التفاهة والدّعة في شتى طبقات المجتمع بما فيها النخبة المُعوَّل عليها في نهضة المجتمع، فيستنزف مخزون الصالحين المصلحين مع الزمن، وهذا كذلك ملاحظٌ مشهودٌ، فالأصل في الدول التي تعاني من مشاكل، أن يكون انخراط الناس فيها في العمل السياسي مرتفعاً لأن كل الناس معنيون بالتغيير، إلا أن الواقع يظهر العكس، فالمنخرطون في الأحزاب والنقابات وهيئات العمل السياسي في تناقصٍ مستمر.


قد يقول قائلٌ إن الأمر ليس أبيض وأسود، فليس كل مبتلىً بالتفاهة بالضرورة ميئوساً منه كلياً، فقد يكون الشخص تافهاً لاهياً في الليل، في وقته الشخصي، جاداً مثابراً في النهار في وقت عمله، وهذا كذلك ملاحظ خصوصاً في الغرب، حيث يبيت الناس في لهوهم وفجورهم في الليل أو في عطلهم، فإذا أصبح الصباح أو انتهت عُطلهم وجدتهم في أعمالهم بكل جدية، فهذه تفاهةٌ لا ضرر منها.


وأقول، نعم قد يبدو الأمر صحيحاً، ولكن المُطَّلع على أحوال الغرب يعلم أن بقعة زيت التفاهة في اتساع، وأن قطاعاتٍ واسعةً من الشباب في الغرب التي جرفها تيار التفاهة أصبحت عالةً على مجتمعاتها، عازفةً عن التحصيل العلمي العالي، بل عازفةً عن مجرد العمل، منشغلة باستهلاك المخدرات خصوصاً مع اتساع تقنين استهلاك المخدرات بما فيها ذات التأثير القوي، أو قضاء الساعات الطويلة في الألعاب الإلكترونية أو ما يسمى الفن، وأعدادٌ كبيرة منهم انخرطت في عصابات الأحياء التي تمتهن الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات. ويعلم المطلع كذلك أن نسبةً كبيرةً من حملة الشهادات العليا في الغرب والذين يقوم عليهم صرح النهضة العلمية اليوم عندهم، هم قادمون من دول العالم الثالث، وأن الغرب يستقطبهم للتغطية على النقص الذي يعاني منه، وأنه لولا هذا الاستقطاب لتراجعت الدول الغربية في الناحية العلمية لصالح الدول الصاعدة.


وقد يقول قائلٌ، إن ما يسمى التفاهة هو في جوهره حرية شخصية، ولا يملك أحدٌ أن يمنع الناس أن يصنعوا ما يشاؤون بأموالهم أو أوقات فراغهم، وأن استنكار التفاهة هو تخصُّص ذوي المرجعية الإسلامية الذين يريدون أن يحجروا على الناس ويقولبوا المجتمع وفق تصورهم.


والجواب: إن انتشار التفاهة كما أسلفنا ليس من باب ممارسة الناس لحرياتهم الشخصية فقط، بل هو كما قلنا عمل مدروس مخطط، لإشغال الناس وإلهائهم، والعقلاء من المفكرين حتى من غير المسلمين، يستنكرونه ويحذرون من مخاطره، ومن بين المفكرين الذين استنكروا الترويج للتفاهة وانتقدوا انتشارها في المجتمعات الحديثة، نجد عدداً من الأسماء البارزة التي تطرقت لهذا الموضوع من زوايا فلسفية، اجتماعية، إعلامية أو تربوية. نذكر منهم:


1. تيودور أدورنو (1903-1969)، الذي ألف مع ماكس هوركهايمر (1895-1973) كتاب "جدل التنوير"، حيث حذرا من أن الثقافة الجماهيرية ليست حيادية بل "مُبرمَجة" وتخدم مصالح رأس المال والسيطرة السياسية وأنها أصبحت أداة للهيمنة، فهي ترفّه عن الناس وتخدر وعيهم، وتحولهم إلى مستهلكين سلبيين، وانتقدا "الصناعة الثقافية" التي تنتج محتوى تافهاً يخدر الجماهير ويمنعهم من التفكير النقدي. "تجعل الناس يتقبلون الواقع كما هو، دون رغبة في تغييره".


2. نيل بوستمان (1931-2003) في كتابه "تسلية أنفسنا حتى الموت" (Amusing Ourselves to Death)، انتقد كيف تحولت وسائل الإعلام إلى أدوات للترفيه السطحي على حساب المعرفة الجادة، فالسياسة، والتعليم، والدين، والثقافة لم يعودوا محل نقاش جدي، بل تُعرض وكأنها "عروض مسرحية" ترفيهية، ويقول: "لن نموت من القمع، بل من الضحك"، "الخطر الأكبر ليس في من يمنعنا من القراءة، بل في من يجعلنا لا نريد القراءة".


3. بيير بورديو (1930-2002): في كتابه "التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول" اعتبر أن التلفزيون يكرّس "التفاهة الرمزية" ويُقصي النخب الفكرية الجادة لصالح الوجوه السطحية والجاذبة جماهيرياً، ويقول: "التلفزيون لا يقول ما لا يُقال، بل يمنع قول ما يجب أن يُقال".


4. آلان دونو (1970) صاحب كتاب "نظام التفاهة" (La Médiocratie)، تحدث فيه عن صعود (الرداءة/التفاهة) كمعيارٍ للنجاح في مجالات السياسة، والاقتصاد، والإعلام والتعليم، بدل الكفاءة أو الأخلاق، يقول في كتابه: نحن نعيش في عصر تحوّلت فيه الرداءة (التفاهة) إلى نظام متكامل، لا مجرد ظاهرة هامشية، وأن الكفاءة لم تعد مقياس النجاح، بل أصبح المعيار هو القدرة على الطاعة، عدم التفكير النقدي، والاندماج في "اللعبة"، وأنه أصبح يهيمن على المجتمع أشخاص تافهون، يرتقون لأنهم لا يُهددون النظام، بل يكرسونه، وأن التفاهة أصبحت "شرطاً للنجاح"، في السياسة، والاقتصاد، والإعلام، وحتى في التعليم والبحث العلمي.


5. جورج أورويل (1903-1950) في رواية "1984" حيث أدان الاستبداد الناعم وقال: لا حاجة للبطش الجسدي حين يمكنك إعادة تشكيل وعي الناس لغوياً وثقافياً.


6. ألدوس هكسلي (1894-1963) في رواية "عالم جديد شجاع" (Brave New World) الصادرة سنة 1932، ونسختها المعدلة سنة 1958 حيث يرى أن الخطر الأكبر لم يعد من "الديكتاتورية الصلبة"، بل من الديكتاتورية الناعمة القائمة على سطوة الاستهلاك، ووسائل الإعلام، والإدمان على المتعة والتفاهة المنظمة، يقول فيها: "الطغاة سيُسيطرون لا بالعنف، بل بإلهائنا حتى نضحك ونحن نُساق إلى القيود".


إذن فاستنكار هذه الدعوة المحمومة إلى التفاهة ليست من تخصُّص الإسلاميين، ولكن كل ذي عقلٍ وغيرةٍ لا يمكن إلا أن ينكر هذا، ويدق ناقوس الخطر للتحذير منه. وإذا كان هؤلاء الغربيون يستنكرون هذا مع أن دولهم متقدمة، ومع أنهم يؤمنون بفكرة الحريات الشخصية، وأن معظم هذه الممارسات لا تعارض معتقداتهم، فماذا عنا نحن؟


بالنسبة لبلادنا الإسلامية، المصيبة مضاعفةٌ، لعدة أسبابٍ:

 

1. دولنا متخلفةٌ علمياً وصناعياً وفي مؤخرة الترتيب، ومن كان هذا حالُه فالأصل فيه أن يُشمِّر عن ساعد الجدِّ للعمل، لا أن ينشغل بالتوافه،


2. دولنا مستضعفةٌ مستباحةٌ، يهاجمها العدو فلا يكاد يجد من يصدُّه نتيجة فارق التقدم التقني الهائل في الصناعة الحربية، ومن كان هذا حالُه، فالأصل فيه أيضاً أن يشمر عن ساعد الجد، لا أن ينشغل بسفساف الأمور ويترك الأمر للغرب يفعل فينا ما يشاء،


3. معظم هذه التوافه التي ينشغل بها الناس هي من المحرمات وليست من اللهو المباح، فالانشغال بها حرامٌ يعرض صاحبه للعقوبة يوم القيامة، فيكون صاحبها قد جمع على نفسه ذلَّ الدنيا وصغارها ثم الخزي في الآخرة.


إن نشر التفاهة لتثبيت أركان حكم هذه الأنظمة هو جريمةٌ وأيُّ جريمة، فهؤلاء الظلمة لم يكتفوا بظلم الناس ونهب مقدراتهم، بل يعملون على إفساد المجتمعات ككل، وإغوائها وإلهائها، ويغدقون على ذلك أنفس الأموال، ما الناس أحوج إليه في ظل الفقر والعوز الذي يعانون منه، وكل هذا حتى يستتب لهم الأمر ويستديم، ولا يعكر صفو الحكم عليهم أحد، ولو كانوا يعقلون لعلموا أنهم لو أحسنوا رعاية الناس، لحماهم الناس بصدورهم، وثبّتوهم على كراسيهم، ولعمّ الخير عليهم وعلى رعيتهم، ولنالوا منه ما يكفي حاجياتهم وزيادةً، بل وفوق الزيادة، وما احتاجوا لأن يظلموا ويُفسدوا ويُغووا خلق الله.


إن الظلم حين يطال فرداً يمكن تداركه بالتوبة والاعتذار من المظلوم، ولكنه حين يطال مجموعاتٍ كبيرة، بل وأجيالاً متعاقبة، فإن أثره يكون مدمراً. فهذا التافه إذا تزوج تافهةً مثله، كلاهما لم ينل تحصيلاً علمياً كافياً وكلاهما يقضي سحابة يومه فيما لا يفيد، فماذا يُنتظر من ذريتهم؟ أي قيمٍ سيغرسونها فيهم؟ وماذا سيستفيد المجتمع منهم؟ وأي كلفةٍ سيكون على المجتمع تحمُّلها لإصلاح ذرياتهم؟


قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: ١٩]، وقال ﷺ: «إنَّ اللهَ يُحِبُّ مَعاليَ الأخلاقِ، ويَكرَهُ سَفْسَافَها» أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق سهل بن سعد الساعدي، وصححه الألباني في صحيح الجامع، ومما أُثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: "إنِّي لأكرَهُ أنْ أرَى أحدَكم فارغاً سبَهلَلاً، لا في عملِ دُنيا ولا في عملِ آخرةٍ".


إن التفاهة ليست طوق نجاةٍ للحكام، وإن بدا لهم الأمر كذلك، وإن النظر إليها على أنها منجاة دليلٌ على قصر نظرٍ فظيع، فقد تصرف التفاهة فعلاً أنظار الناس عنهم لوهلة، ولكنها بموازاة ذلك تنخر أركان حكمهم وتضرب نقاط قوتهم نقطة بعد نقطة، حتى ينهار فوق رؤوسهم، أو حتى لا يبقى فيه أي مَنَعَةٍ إذا دهمه داهمٌ، فيسلم لعدوه دون مقاومة، وحينها لات حين مناص.

 


كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد عبد الله

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...